في مطلع الشباب انشغلت بميولي التصوفية والزهدية وكان كل همي هو معرفة الله
وقد شغلني ذلك عن ..محمد ..الذي كنت أراه الرسول الذي بلغني رسالة ربي مع الشكر والتقدير لحامله
وكان هذا الامر يضايقني فقد كان رسول الله في نفسي رجل احترمه واشكره
وكنت قد وجدت عزائي في خبر يقول : من أحب الله فقد أحبني
ومع قراءاتي التي تنوعت فيما بعد خاصة في مسائل الرد على المشككين في القرآن والنبوة ..إلتفت نظري إلى امر هام
إن محمد ليس مجرد حامل رسالة ( بوسطجي ) وليس أمر مقدس
بل هو شخص من لحم ودم يتألم حقيقة ويعرق وتتورم قدماه ويسيل منه الدم ويناله الاذي ويحزن ويبكي ويجوع ويعطش
مهلا ..إن هذا الرجل .. رسول الله ..يحتاج إلى وقفة لننظر إليه من قريب
قريب جدا
أقرب مما تتخيل
أقرب من الورق ومن سيرة ابن اسحق وابن هشام وطبقات ابن سعد
لانه لم يكن رجلا من الورق
بل من لحم ودم
رجل عادي لمهمة غير عادية
إن الله يستخدم وبلغة الورق على سبيل المثال : الكارت الاخير مع البشرية وقد أوشك الصراع بين الخير والشر أن ينتهي بحلول أخر الزمان
وها هو سبحانه وتعالى يختار للتحدي الاخير بين الخير والشر ..رجل عادي بلا معجزات
!!!!!!!
لا يمشي على الماء ولا يطير في السماء ولا تتنزل عليه موائد ولا تتغير حالته المادية من عسر إلى يسر حتى مماته
آن لمنهج الله أن ينتصر .لأنه كلام الله وكفى
آن لكلام الله أن يمتثل الناس آوامره ويجتنبوا نواهيه ..لانه صادر عن الله وكفى
إن المبعوث الاخير لن يهرب وحده أو بالمؤمنين كسابقيه كلما طغى وبغى عليه قومه
بل ..سيحمل سيفا ..ويقاتل , ويأسر , ويغنم
فمن هو هذا الشخص المختار ليكون رجل التحدي الكبير؟
لا شك أنه يجب أن يكون بمواصفات خاصة
لقد إختار الله سبحانه وتعالى من قديم الازل أن طفلا يولد في جزيرة العرب في قبيلة شبه حيادية من بين قبائل العرب المتناحرة
طفلا سيولد يتيما
يموت ابوه الشاب اليافع المحبوب قبل أن يولد طفله بعد زواجه من اشرف نساء العرب
بل اشرف نساء الدنيا فالطفل الواقع عليه الاختيار ليس طفلا عاديا
انه ذاك الذي سيكبر ويكون تحدي الله الكبير
وكان في اختيار محمد اليتيم عدة ميزات حملها هذا اليتم
اولا : لا أب يقهره على عبادة غير الله
ثانيا : لا أب يتدلل في حجرة فيتسرب حب اللهو إلى قلبه
ثالثا : يكون قادرا على تحمل مسئولية قرارته فهو كشخص يتيم لا يريد أن يفعل او يتصرف تصرفات تجعله عبئا على اهله
رابعا : اليتم مذلة وانكسار في النفس يورث اللين والتواضع ويجعله رؤوفا رحيما بغيره وهو المطلوب للدعوة
خامسا : عطف اهله عليه مراعاة ليتمه فلا يرغمونه على ما يكره
سادسا : عمله في الصغر ليكسب قوته حيث لا اب يكفل له ذلك مما يزيد في خبرته في التعامل مع الناس والتصرف في شئون الحياة
سابعا : لا مطمع له في الزعامة والرئاسة لوجود من يعصبه في ذلك فينزع ذلك من قلبه حب الدنيا وزينتها واغراءاتها
وغير ذلك من امور استفادتها شخصية محمد من اليتم وهي امور كانت مطلوبة لانها ستشكل فيما بعد شخصية الرجل ذو المواصفات الخاصة الذي سيحمل رسالة الله الاخيرة
ورغم انه كان ( المختار ) إلا انه عاش حياة عادية يكافح كأي طفل يتيم يعول نفسه بعد أن كفله عمه في اسرته الفقيرة على أثر فقد محمد لأبويه وجده
فها هو ينطلق بقدمين صغيرين تغوصان في رمال صحاري مكة بحثا عن عشب ترعى به الاغنام التي يسوقها يرمق مكة من بعيد في لهوها وعبثها وزينتها فيحرمه فقره ويتمه من هذا اللهو والعبث فلا يجد إلا أن يقلب حدقتيه في السماء متأملا ذلك الكون الفسيح الذي يحتضنه ..والغنم يتسائل عن سبب كل هذا
عم الذي رفع السماء ونصب الجبال وبسط الارض
أفلا ينظرون إلى الابل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الارض كيف سطحت
فذكر إنما أنت مذكر ( قرآن كريم من الذي نزل فيما بعد على محمد ) صلى الله عليه وسلم
وإلى لقاء آخر نستكمل الحديث عن خير البشر محمد خاتم الانبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم