Sunday, August 31, 2008

أمى ... و القرآن

كل عام و أنت بخير يا جماعة .. و ربنا يتقبل منكم الشهر الكريم

اتأخرنا عليكم فى المواضيع .. بس معلش اعذرونا .. الدنيا مشاغل .. أنا مش عارف هل لسة فيه ناس بتتابعنا و لا لأ .. لكن على العموم إحنا نرجو لكم التوفيق فى هذا الشهر الفضيل

نيجى للموضوع

أمى ست كبيرة جاوزت الستين من العمر .. و اسمها فاطمة .. أيوة أنا ما باتكسفش من ذكر اسم أمى .. بالعكس بابقى فخور باسمها.. أمى لم تكمل المرحلة الابتدائية فى التعليم .. خرجت من سنة خامسة ابتدائى و ما كملتش السنة السادسة الابتدائية لكن بتعرف تقرا و تكتب على بسيط .. إلى جانب إنها نظرها الضعيف و مابيخليهاش تقدر إنها تستغل قدرتها البسيطة على القراءة فى إنها حتى تقرأ خبر فى جريدة أو عنوان فى نشرة أو ما إلى ذلك


نسيت صحيح أقول لكم إنها عندها خشونة فى المفاصل و دة مخليها مابتقدرش تمشى مسافة أكتر من حوالى مائة متر إلا لما لازم تقعد عشان تستريح شوية .. و كمان مابتقدرش تعدى الرصيف اللى فى الشارع إلا بصعوبة شديدة أو لما تسند على حد .. أمى أصلا لما بتعمل لنا الأكل فى المطبخ مابتقدرش تقف على رجلها كتير .. هى حاطة كرسى فى المطبخ .. فتعمل جزء من الأكل و تروح تستريح شوية و هكذا


كل الكلام دة ليه ؟؟


أصل من حوالى عشر سنين فتح جنبنا مسجد كبير و المسجد دة عمل معهد لتحفيظ القرآن بحيث إن الواحد يقضى فيه ست سنوات و يتخرج حافظ القرآن كله يعنى يحفظ فى السنة خمسة أجزاء .. المسجد دة عامل برضه قسم لتحفيظ الأميين بس دول بيحفظوا جزئين فقط فى السنة

أمى من حوالى أربع سنوات قالت لى إنها عايزة تشترك فى حلقات تحفيظ القرآن دى ... أنا قلت فى بالى إنها مش هاتقدر تكمل عشان المشوار بتاع المسجد هايبقى متعب ليها إلى جانب إنها فى القراءة العادية بتلاقى صعوبة .. طب هاتعمل إيه فى قراءة القرآن اللى محتاجة حرص و مهارة فى إخراج الألفاظ و ما وراء ذلك من الأحكام من مد و إضغام و إخفاء و إظهار ... و ترقيق و تفخيم .. حاجات كتيرة مش سهلة

إلى جانب إن أنا نفسى اشتركت فى المسجد دة بس قضيت عدة أشهر فقط حفظت فيهم جزء "عم" اللى أنا حافظه أصلا و ماكملتش عشان كنت ابتديت اشتغل

أنا قلت خلاص .. أعمل لها اللى هى عايزاه و اشترك لها فى المسجد و أنا متوقع إنه هاييجى يوم و تقول لى إنها مش قادرة تكمل

بدأت أول سنة .. و ما أقولكوش على كمية المجهود الضخم اللى أمى بذلته عشان تقدر تقرا سور جزء "عم" بشكل مناسب .. الفتح و الضم و الكسر و التسكين و التشديد للحروف كان بالنسبة لها حاجة مرهقة جدا دة بجانب إن نظرها ضعيف .. و ابتدت تصدع من وقت للتانى .. و نسيت أقول إن المسافة بين البيت و بين المسجد حوالى مائتى متر و فيهم ثلاثة أرصفة عالية ... يعنى المشوار اللى بيتكرر مرتين أسبوعيا بالنسبة لها يعد مشوار غاية فى الإرهاق .. مرة سمعتها بتتكلم مع إحدى قريباتنا و بتقول لها إنها لما بترجع من مشوار المسجد دة بتبقى خلاص عايزة تبكى من الألم


المهم .. قلنا نعمل لها نضارة للقراءة عشان تتمكن من القراءة بسهولة و الصداع اللى بيجيلها دة يخف شوية ... و الحمد لله .. النضارة جابت نتيجة .. و بقت تقريبا كل أوقات فراغها بالاقيها ماسكة المصحف و بتقرا فى الكام سورة اللى أخدتهم .. و لما عرفت إنها ممكن تصلى السنن و هى بتقرا من المصحف كانت سعيدة جدا و بقت تقرا و هى بتصلى السنن السور اللى
محتاجة حفظ كتير


و مش بس أوقات فراغها .. كمان فراغات وقت ماهى مشغولة .. يعنى لو بتسخن مية مثلا عشان تعمل لنا مكرونة .. ألاقيها حطت حلة المية على النار و تجيب المصحف تقرا آية و لا اتنين و تبذل مجهود ضخم عشان تقراهم .. بعد كدة تقفل المصحف و تقوم تكمل عمايل المكرونة

و لو يوم المدرسة بتاعتهم فى المسجد غابت .. ألاقيها راجعة تطلب منى إنى أقرا لها الجزء المتوقع إنهم ياخدوه المرة الجاية عشان تبقى مستعدة

لكن بجد بقت تصعب عليا جدا فى امتحانات الشهر أو آخر السنة .. أنا بقيت أشوف أمى خايفة لاحسن ما تعرفش تسمع كويس .. و تقعد تسهر تحفظ و تقرا و تشكيلى إن السورة دة كلماتها صعبة ... أو الآية دى شبه آية تانية و بتلخبطها .. و لا لما ترجع من الامتحان و هى مرهقة من المجهود الذهنى اللى بذلته .. و لا لما تبقى فرحانة و طايرة من الفرح لما تجيب درجة عالية .. أو تبقى متضايقة إنها حصلت على درجات أقل من اللى بيحفظوا معاها

كذا مرة جبنا لها أنا و اخواتى هدايا عشان جابت درجات عالية .. كانت فرحانة جدا

الغريب إن الوضع بينا و بين أمى اتقلب .. زمان كان هى اللى بتهتم بينا و بمذاكرتنا و بتقلق علينا لما نروح نمتحن أو نشوف النتيجة .. دلوقتى بقت هى اللى بتخوض الامتحان و احنا اللى بنقلق عليها .. بالفعل وضع غريب

زمان لما أمى كانت تزن عليا و تقعد تقول لى: ذاكر ذاكر .. كنت باقول لنفسى هى بتزن عليا عشان الكلام بالنسبة لها سهل .. أما لو جت مكانى و قعدت تذاكر هاتبقى عايزة تهرب من المذاكرة بأى شكل .. لكن الزمن أثبت لى إن أمى عندها عزيمة ماضية .. لأنها فى الأربع سنين دول .. بعد ما كانت حافظة الفاتحة و المعوذتبن و الإخلاص و العصر فقط و كانت بتصلى بيهم كل صلواتها و بتقراهم فى كل مناسبات حياتها .. هى دلوقتى حافظة ثمانية أجزاء من القرآن الكريم