Tuesday, January 29, 2008

الوطن .. و تحديد المشكلة

ا"ما يسمى بالمواطنة مخالفة شرعية جسيمة و لا تمت للإسلام بصلة"ا أحمد عبد الرحمن النقيب
ا


ا"دماؤهم كدمائنا و لهم ما لنا و عليهم ما علينا"ا سيدنا على رضى الله عنه متحدثا عن أهل الكتاب
ا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا
ا"لكن الوطن الحقيقي في مفهوم الهوية الإسلامية هو الجنة"ا محمد اسماعيل المقدم
ا
ا"من يتعد حدود الجغرافيا فقدْ فقدَ التاريخ"ا جمال حمدان
ا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا
ا" الوطنية معناها الارتباط بالوطن دون النظر إلى الدين "ا أحمد عبد الرحمن النقيب
ا
ا" فالوطنية لم تخرج عن أنها جزء من تعاليم الإسلام "ا حسن البنا
ا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا
ا"لقد قال رسول الله : ( لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء) , فكم تساوي نسبة (الوطن ) من جناح البعوضة ؟"ا محمد اسماعيل المقدم
ا
ا"إن نظام الدين لا يصلح إلا بنظام الدنيا فنظام الدين بالمعرفة و العبادة لا يتوصل إليهما إلا بصحة البدن و بقاء الحياة و سلامة قدر الحاجات من الكسوة و المسكن و الأقوات و الأمن فلا ينتظم الدين إلا بتحقيق هذه المهمات الضرورية. إن نظام الدنيا شرط لنظام الدين"ا أبو حامد الغزالى
ا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا
ا"لا بد أن تنبهوا إخوانكم و معارفكم و أقاربكم إلى أن ما يسمى بالمواطنة خطر على الإسلام و المسلمين"ا أحمد عبد الرحمن النقيب
ا
ا"على الكافة بذل الجهد لطمأنة المسيحيين على حقوقهم داخل الجماعة الوطنية و إمكانيات التحقيق الأمثل لذلك بالتفاهم المتبادل و التفاعل الخصب"ا طارق البشرى
ا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا
ا"وحينها إما أن تسيس حركات ( الدعوة السلمية ) التي تسير في قنوات الجاهلية الشرعية وبالتالي تسلك السبل التي تضلها عن الصراط المستقيم فتتبنى خطابا مَدَنِيّا ، وتراعي حق ( الآخر ) الذي لا يرضى أبدا أن يكون مواطنا من ( الدرجة الثانية ) كما أمر الله ورسوله"ا محمد جلال القصاص
ا
ا"ممارسة الآخرين لحقوقهم و حرياتهم ينبغى ألا تتم فى إطار العطف و إحسان الأغلبية إلى الأقلية لأنهم لم يكتسبوا تلك الحقوق انطلاقا من مودة الأغلبية و مشاعرهم الخيرة إنما اكتسبوها بمقتضى ما هو مقرر و ثابت فى كتاب الله سبحانه و تعالى"ا فهمى هويدى
ا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا
ا" ولذلك عندما تدرس أي مذهب هدام انتشر في بلدان المسلمين كـالقومية أو الشيوعية أو الوطنية أو زمالة الأديان أو المذاهب الأدبية الهدامة أو الدعوة لتحطيم اللغة العربية، تجد أنها نشأت في الأصل من اتصال وثيق بين مرتدين وكفرة يعيشون بين المسلمين وبين الكفرة في بلدان الكفار "ا محمد صالح المنجد
ا
ا" و إذا كانت [اللغة] العربية و تراثها النثرى و الشعرى قد عرفت مصطلح "الوطن" منذ فجر هذا التراث فإن القرآن الكريم يلفت أنظارنا إلى أن [اللغة] العربية تعبر عن الوطن أيضا بصطلح الديار "ا محمد عمارة
ا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا
ا" وكذلك من الأفكار الهدامة أيضاً: الدعوة إلى الوطنية، وهي تقديس الوطن بحيث يصير الحب فيه، والبغض لأجله، والقتال من أجله، وإنفاق الأموال من أجله، حتى يطغى على الدين، وتحل الرابطة الوطنية محل الرابطة الدينية، وهذه أيضاً الدعوة من الدعوات الكفرية الإلحادية التي يقصد بها تمزيق العالم الإسلامي إلى قطع، يتعصب كل أصحاب أرض لأرضهم فيحصل الشقاق والتباعد بين أبناء المسلمين "ا محمد صالح المنجد
ا
ا" و كما جعل الإسلامُ الوطنية التى تحفظ استقلال الوطن قرينَ الحياة و معادلها .. كذلك جعل هذه الوطنية قرين حرية الدعوة إلى الدين "ا محمد عمارة
ا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا
ا" عندما ننظر فى الدعوات نجد هناك الدعوة الماسونية و الروتارى و القومية و نجد هناك الدارونية و نجد هناك دعوة جديدة مستحدثة تسمى بالوطنية "ا أحمد عبد الرحمن النقيب
ا
ا" كانت العرب إذا غزت أو سافرت حملت معها من تربة بلدها رملا و عفرا تستنشقه "ا الجاحظ
ا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا
ا" أريد أن أنبه إلى خطورة بعض ما يحاك للمسلمين و أقول لا سيما فى بلدنا و عندما أقول بلدنا لا أقصد المنصورة و لكن بلدنا مصر لأن المخططات تتوالى على هذه الديار "ا أحمد عبد الرحمن النقيب
ا
فى العبارة السابقة استخدم الشيخ أحمد عبد الرحمن النقيب مصطلح "الديار" مكافئا لمصطلح "البلد" الذى هو مرادف بشكل أو بآخر لمصطلح "الوطن" و ذلك حينما تطرق بالحديث إلى "مصر" .. و هى المصطلحات التى تعبر عن مفاهيم رفضها هو و غيره فيما بعد كما هو واضح من العبارات
ا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا
ملاحظات مهمة
---------
ا

أولا: لا يخلوا التيار السلفى من أهل رأى يرون أن الوطنية أمر إيجابى نافع و ضرورى مثل ما نرى فى هذه الصفحة و هذه أيضا
ا
ثانيا: هذا المقال هو بهدف توضيح مقدار اتساع الهوة و أيضا بغرض بلورة نقاط الخلاف بين كبار دعاة التيار السلفى و بين الكثير من المفكرين حول أمور الوطن و الوطنية و المواطنة
ا
ثالثا: لم أرغب أن أرد على مقولات الدعاة السلفيين بآيات أو أحاديث نبوية – على كثرتهما – لسببين .. الأول هو أنى أردت أن يكون الموضوع فى صيغة "آراء رجال فى مواجهة آراء رجال".. الثانى هو أن عدم الاستعانة بآيات أو أحاديث يسمح بمساحة واسعة للاختلاف دون خوف من معارضة رأى أحد المخالفين لآية أو لحديث ظننت أنا أنهما يدعمان فكرتى .. و حتى لا يتحول الحوار فيما بعد لصراع "أيات و أحاديث فى مواجهة آيات و أحاديث" .. و لكن بإذن الله سيكون هناك بعض الآيات و الأحاديث فى التدوينات القادمة بهدف توضيح الأفكار و إثباتها
ا
رابعا: هذه التدوينة هى مقدمة لتدوينة أو عدة تدوينات قادمة إن شاء الله .. لا أدرى عددها حتى الآن .. نتناول فى واحدة منهم رأى الشيخ الطبيب محمد اسماعيل المقدم فى تلك القضية و ذلك بناءا على ما كتبه فى كتاب بعنوان "الهوية الإسلامية" فى فصل بعنوان "علاقة الهوية الإسلامية بالوطنية" .. و قد آثرنا أن نحدد شخصا بعينه و موضوعا بعينه لنتناقش حولهما و ذلك استجابة للأستاذ عصفور المدينة .. و هو المطلب الذى طلبه منا مرارا و تكرارا بتحديد شخص معين و موضوع معين
ا
خامسا: مقولات الشيخ أحمد عبد الرحمن النقيب مأخوذة من درس له بعنوان "المواطنة ... احذر وانتبه !!!" .. و مقولات الشيخ الطبيب محمد اسماعيل المقدم مأخوذة من محاضرة له بعنوان "هويتنا أو الهاوية" و هى محاضرة أخرجها فى كتاب له بعنوان "الهوية الإسلامية" و هو كتاب طبعته مكتبة "ابن الجوزى" الموجودة بـ"درب الأتراك" فى حى الحسين .. و هو مكرر تقريبا (إلا أجزاء بسيطة و لكنها مهمة) فى درس صوتى له بنفس العنوان .. و مقولة محمد جلال القصاص مأخوذة من مقال بعنوان "من أوصاف الجاهلية" .. و مقولات الشيخ المنجد مأخوذة من مقال بعنوان "خطورة الولاء الفكرى لأعداء الله" .. هذا لمن أراد أن يستوثق

Friday, January 18, 2008

الأحجار





ذات صباح خرج من بيته نشيطا سائرا فى طريقه المعتاد. جذب انتباهه حجر غريب ملقى على الأرض فأسرع و التقطه. ظل يتأمله معجبا بشكله المتناسق فاحتفظ به و سار مكملا طريقه. لم يلبث أن وجد حجرا آخرا فأعجب به أيضا. سارع و حمله الى جانب الآخر. ظل يسير على طريقه بعض الوقت حتى التفت الى حجر أجمل مما يحمل بل و أكبر أيضا. تأمله لفترة ثم حمله بجانب السابقين و سار و هو سعيد. توالت فى طريقه الأحجار الغريبة و الجذابة, الكبيرة و الصغيرة. حدثته نفسه بأن هذا يوم سعده فقد حملها كلها بين يديه و سار بها متمهلا لئلا يسقط منها حجر واحد. عدة خطوات أخر و صادفه حجر آخر أكبر و أجمل و تمنى لو حمله بجانب باقى الأحجار و لكنه لم يجد فراغا على ذراعيه ليحمله, فسارع إلى خرقة بالية كانت ملقاة على جانب الطريق فاستعملها لحمل الأحجار مضافا إليها الحجر الجديد. زادت سعادته حينما وجد كومة من الأحجار التى لم ير لها مثيلا من قبل ملقاة على جانب الطريق فلم يتردد فى حملها إلى جانب ما سبقها فى ما تبقى من فراغ فى خرقته البالية. حدثته نفسه بأنه يجب أن يحصل على جوال مناسب يمكنه من حمل أحجاره بشكل سليم, فقد سقطت منه عدة أحجار أثناء سيره حتى مع تباطؤه فى السير و بذل مجهودا مضاعفا ليستعيدها مرة أخرى. يالحظه! فها هو السوق, يمكنه الآن شراء جوال كبير. تمكن بالفعل من الحصول على واحد متسع بحبل طويل ليحمله على ظهره. أفرغ فيه كل ما جمع من أحجار. فبدون هذا الجوال ما كان ليتمكن من حمل الحجر الجديد الذى صادفه أثناء خروجه من السوق, و لما استطاع حمل الحجرين المتماثلين الضخمين الذين لاقاهما بعد عدة خطوات, و لا الكومة الأخرى من الأحجار المتداخلة التى أذهلته و هى ملقاة على جانب الطريق, و لا استطاع حمل الحجر الهندسى الشكل الذى استعان بأحد المارة لحمله عليه. فقد بدأت الحمولة تثقل عليه مرغمة إياه تباطؤا على تباطئه, و انحناءا على انحنائه. فقد كاد انحناء ظهره و انخفاض جبهته أن يلهياه عن ذلك الحجر الملون الملقى إلى جانب الطريق و الذى ظل يتأمله وقتا طويلا تحت وطأة الحمولة الثقيلة انتظارا لأحدهم حتى يحمله عليه. لم يهتم بالآثار الشديدة التى تركها الحبل على يديه جراء الحمولة الثقيلة التى على ظهره. فقد بدأ الحبل فى التمزق و الانفلات فانتابه رعب شديد من سقوط هذه الحمولة على الأرض, فقد كانت بالنسبة له أقيم من أن يدعها على الأرض و لو للحظة. أسرع قدر استطاعته إلى أحد الحدادين القريبين منه و استبدل ببقايا الحبل سلسلة حديدية باذلا مجهودا خارقا ألا تلمس حمولته الأرض. حالة السعادة التى كان عليها إثر إضافة الحجر الشفاف الضخم الذى وجده بعد خروجه من عند الحداد إلى مجموعته أنسته أنين مفاصله التى كان صراخها قادر على نفض خلايا مخه نفضا. انتصف النهار و تربعت الشمس الحارقة فى وسط السماء, و لكنها لم تفلح فى اختراق حالة النشوى التى اعترته بعد ما ألقى أحد المارة بحجر ثقيل على حمولته استجابة لرجاءاته و توسلاته لإضافة هذا الحجر إلى مجموعته فقد استعجب ذلك الرجل لمشهد الجوال الضخم المشدود بالسلاسل إلى شخص يئن تحته و لا يكاد يستطيع أن يرفع قدما ليخطو خطوة. استحسن من نفسه أنه كان قد تخلص من نعله بعد إضافة مجموعة من الأحجار كان قد صادفها منذ لحظات فقد كان عليه أن يخوض فى صحراء نهاية المدينة ليحصل على ذلك الحجر الذى يكاد يضىء تحت ضوء الشمس. فقد كانت قدمه العارية تغوص فى الرمال مع كل خطوة يخطوها و يبذل مجهودا مضاعفا ليرفع قدمه المغروسة فى الرمال. و لما وصل إلى الحجر ظل واقفا فى هذه الصحراء حتى قاربت الشمس على المغيب لعل أحدهم أن يأتى فيساعده على حمل هذا الحجر إلى مجموعته. وصل أحد البدو فساعده على إضافة الحجر حيث يريد بعد أن اعتلى البدوى ظهر الجمل الذى كان يركبه ليتمكن من تثبيت الحجر الجديد حتى لا يقع بسهولة جراء الاهتزاز العنيف الناشئ عن خطواته المتهالكة. كان عليه أن يخوض الرمال عائدا إلى المدينة التى عاد إلى طريقها الصلب و كان القمر قد توسط السماء. لم يلبث أن انعطف فى أحد الطرق بعد مجهود جبارليحول دون سقوط الحمل من على ظهره حتى وجد بركة من مياه تسربت من أحد المنازل و قد ألقى فيها بحجر لم ير له مثيل. فقد جن جنونه, و خاض البركة منتظرا أحدهم ليحمل عليه الحجر إلى جانب مجموعته. انتظر كثيرا, فقد أمسى لا يتمكن من النداء بصوت عال ليستدعى أحد سكان المنزل حتى يخرج إليه. ظل منتظرا طويلا حتى كادت عظامه أن تنهار تحت وطأة الحمل الرهيب, و لكن مشهد الحجر وسط بركة المياه أطار صوابه. و لم يلبث أن قطع حبل تأملاته رجل خرج لتوه من المنزل, فطلب منه أن يحمل عليه ذلك الحجر. و بعد سيل من توسلاته و استغراب صاحب المنزل استجاب أخيرا. فحمل الحجر بين يديه و اعتلى سطح منزله ليتمكن من إضافة الحجر على قمة مجموعة الأحجار التى انتظر صاحبها بفارغ الصبر وضعه على ظهره. و لم يكد الحجر أن يوضع على ظهره حتى اضطرب جسده اضطرابا شديدا, و ارتعدت فرائصه, و اهتزت قوائمه بشدة. و فجأة انهارت مقاومة جسده و سقط الحمل عليه و انسحق تحته.






السبت الحادى و العشرون من أكتوبر 2006
الساعة الحادية عشرة ليلا
ليلة التاسع و العشرين من رمضان 1427

Sunday, January 6, 2008

الخير .. يجرى فى دماء المسلمين

صادفت فى أحد الكتب نماذج متميزة و نادرة لأعمال الخير التى قام بها المسلمون عبر تاريخنا السابق .. فشىء طبيعى جدا أن نجد النزعة الخيرة داخل المسلم تدفعه إلى إخراج صدقة أو بناء مسجد أو قضاء دين أو ما إلى ذلك من أعمال.. و لكننا نجد أحيانا الكثير و الكثير من الأعمال الخيرية الفريدة و التى تدل على وعى عال بما يسمى "التكافل الاجتماعى" و نجد حالة إنسانية عالية لدى المسلمين فى مؤازرة بعضهم البعض بأعمال على درجة عالية من الإحساس و الخيرية و الإيجابية

النماذج التالية هى نماذج لمؤسسات خيرية و أوقاف أسسها و وقفها أصحابها لتحقيق أغراض غير عادية .. غريبة و طريفة .. و لكنها مهمة .. فمن هذه النماذج

مؤسسات لتزويج الشباب و الفتيات العُزّاب ممن تضيق أيديهم أو أيدى أوليائهم عن نفقات الزواج و تقديم المهور

مؤسسات لإمداد الأمهات بالحليب و السكر. و قد كان من مبرات صلاح الدين أنه جعل فى أحد أبواب القلعة - الباقية حتى الآن فى دمشق - ميزابا يسيل منه الحليب و ميزابا آخر يسيل منه الماء المذاب فيه السكر. تأتى الأمهات يومين فى كل أسبوع ليأخذن لأطفالهن و أولادهن ما يحتاجون إليه من الحليب و السكر

و هناك مؤسسات لتحسين أحوال المساجين و رفع مستوى تغذيتهم بالغذاء الواجب

و مؤسسات لإمداد العميان و المقعدين بمن يقودهم و يخدمهم

و من الأوقاف الخيرية ما يسمى بـ"وقف الزبادى" للأولاد الذين يكسرون الزبادى و هم فى طريقهم إلى البيت فيأتون إلى هذا الوقف ليأخذوا زبادى جديدة بدلا من المكسورة ثم يرجعوا إلى أهليهم كأنهم لم يصنعوا شيئا

و مؤسسات أقيمت لعلاج الحيوانات المريضة أو لإطعامها أو لرعايتها حين عجزها

و هناك أوقاف مثل "وقف الأوانى المكسورة" و هو وقف تشترى منه صحاف الخزف الصينى. فكل خادم كسرت آنيته و تعرض لغضب مخدومه له أن يذهب إلى إدارة الوقف فيترك الإناء المكسور و يأخذ إناء صحيحا بدلا منه و بهذا ينجو من من غضب مخدومه عليه

و هناك "وقف الكلاب الضالة" و هو وقف ينفق من ريعه على إطعام الكلاب التى ليس لها صاحب استنقاذا لها من عذاب الجوع حتى تستريح بالموت أو الاقتناء

و أيضا "وقف إعارة الحلىّ فى الأعراس" و هو وقف لإعارة الحلى و الزينة فى الأعراس و الأفراح يستعير الفقراء منه ما يلزمهم فى أفراحهم و أعراسهم ثم يعيدون ما استعاروه إلى مكانه و بهذا يتيسر للفقير أن يبرز يوم عرسه بحلة لائقة و لعروسه أن تجلى فى حلة رائقة حتى يكتمل الشعور بالفرح و تنجبر الخواطر المكسورة

و هناك "وقف الزوجات الغاضبات" و هو وقف يؤسس من ريعه بيت و يعد فيه الطعام و الشراب و ما يحتاج إليه الساكنون و تذهب إليه الزوجة التى يقع بينها و بين زوجها نفور و تظل آكلة شاربة إلى أن يذهب ما بينها و بين زوجها من جفاء و تصفو النفوس فتعود إلى بيت الزوجية من جديد

و أيضا "وقف مؤنس المرضى و الغرباء" و هو وقف ينفق منه على عدة مؤذنين فيرتلون القصائد الدينية طول الليل بحيث يرتل كل منهم ساعة حتى مطلع الفجر سعيا وراء التخفيف عن المريض أو إيناس الغريب

و من أروع هذه الأوقاف "وقف الإيحاء إلى المرضى بالشفاء" و هو وقف فيه تكليف اثنين من الممرضين يقفان قريبا من المريض بحيث يسمعهما و لا يراهما فيقول أحدهما لصاحبه: ماذا قال الطبيب عن هذا المريض؟ فيرد عليه الآخر: إن الطبيب يقول: إنه على خير إنه مرجو البرء و لا يوجد فى علته ما يقلق أو يزعج و ربما نهض من فراشه بعد يومين أو ثلاثة أيام

و هناك وقف لمن يريد دخول الحمامات العامة و لا يجد أجر الحمام

و وقف على نوع من الطير يأتى إلى مدينة "فاس" بالمغرب فى موسم معين . فوقف له بعض الخيرين وقفا بما يعينه على البقاء و يسهل له العيش هذه الفترة من الزمن. كأنما شعر هؤلاء الخيرون أن هذا الطير المهاجر الغريب له على أهل البلد حق الضيافة و الإيواء


هذه النماذج السابقة على الرغم من طرافتها ..إلا إنها تدل بشكل كبير على مدى إنسانية المسلم .. و على مدى وعيه بالآخرين و بحاجاتهم .. بل و بالحيوانات الخرساء .. فلا أدرى كيف يأتى من يقول أن نعامل غير المسلمين كمواطنين من الدرجة الثانية

و نستطيع أن نستنتج أيضا أنه إن تم إشباع الحاجات الأساسية للناس فإنه بالضرورة تتحسن أخلاقهم .. فإن المجتمع الذى يذهب فيه صاحب الحاجة إلى مثل هذه الأوقاف ليأخذ مقدار حاجته فقط فى حين أنه يستطيع أن يأخذ ما يزيد عنها .. فهو مجتمع منضبط .. متوازن .. تحكمه القيم و الأخلاقيات .. لا القوانين و العقوبات