Sunday, November 23, 2008

البحث عن عدو

يوجد تحديث فى نهاية التدوينة
---------------

لن أطيل فى سرد المواقف و سأكتفى بثلاث شخصيات حتى نصل سريعا للنتيجة المرجوة فى النهاية

أولهم سيدنا معاوية بن أبى سفيان .. الصحابى و الخليفة الأموى الأول .. و الذى على يده استقرت الدولة الإسلامية بشكل كبير و اتخذت فى الاتساع بشكل متزايد .. من كان طبيبه الخاص ؟؟ و من كان مستشاره المالى ؟؟
طبيبه الخاص كان يسمى "ابن أثال" .. و مستشاره المالى كان يسمى "سريج بن منصور الرومى" .. حسنا .. ما الغريب فى ذلك ؟؟ الغريب هو أن سيدنا معاوية ائتمن على صحته الشخصية و على مال المسلمين اثنين من غير المسلمين .. نعم .. كلاهما كان غير مسلم و برغم ذلك وصلا إلى مكانة عالية فى الدولة الإسلامية و حصلا على ثقة كبيرة

و هنا توجد ملاحظة غاية فى الأهمية .. و هى أن سيدنا معاوية كان يخشى من محاولات الاغتيال التى يدبرها معارضوه من خوارج و شيعة (و هم مسلمون) للدرجة التى جعلته أول خليفة يعين حراسا يقفون على رأسه حين يسجد و هو يؤم الناس فى الصلاة و لكنه فى الوقت ذاته يطمئن أن يجعل طبيبا نصرانيا مسئولا عن حياته و علاجه ... و لنا فى سلوك سيدنا معاوية مثال .. أن العبرة ليست بالعقيدة فى كل الأمور .. خاصة أمور الدنيا التى يتفاضل الناس فيها تبعا لمهاراتهم

الثانى هو الناصر صلاح الدين .. البطل الإسلامى العظيم .. و رمز أهل السنة و الجماعة .. من كان طبيبه الشخصى ؟؟ طبيبه الشخصى هو موسى بن ميمون .. فيلسوف يهودى ضخم و له مؤلفات مهمة فى الفلسفة و اليهودية بل هو من مفسرى التوراة و كان من كبار اليهود بمصر

و لماذا نذهب بعيدا .. فلننتقل للشخصية الثالثة و حسن الختام .. فها هو خاتم الأنبياء سيدنا محمد عليه الصلاة و السلام يموت و درعه مرهونة لدى يهودى .. بل أكثر من ذلك .. فقد ذكر بن إسحق فى السيرة أن وفد نجران - وهم نصارى - لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة دخلوا عليه مسجده بعد العصرفكانت صلاتهم .. فقاموا يصلون فى مسجده .. فأراد الناس منعهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: دعوهم .. فاستقبلوا المشرق فصلوا صلاتهم
و عقب بن القيم على هذه القصة بقوله:"جواز دخول أهل الكتاب مساجد المسلمين .. و تمكين أهل الكتاب من صلاتهم بحضرة المسلمين و فى مساجدهم أيضا .. إذا كان ذلك عارضا و لا يمكنون من اعتياد ذلك"ا

أرأيتم ؟؟ لقد صلى النصارى صلاتهم فى المسجد النبوى

و الأمثلة من هذه المواقف كثيرة جدا لدرجة أن هناك عبارة شاعت على ألسنة المؤرخين بأن الدولة الإسلامية حكمها غير المسلمين .. و هذا لتقلدهم وظائف كبيرة و حساسة فى الدولة الإسلامية

و الآن .. لماذا تمت كتابة كل ما سبق ؟؟

كتبت هذه التدوينة - و أنا فى أشد الحاجة لهذا الوقت - بسبب أن بريدى الإلكترونى امتلأ برسائل تحذر من تهنئة غير المسلمين فى أوقات أعيادهم و ذلك لاقتراب رأس السنة الميلادية .. و دار جدال و حوار حول فداحة الأمر و أى الفتاوى أحق بالاتباع فى عبارات تحمل فى طياتها اتهام خفى بالابتداع للقائلين بجواز التهنئة .. و الكلام تقطر منه الكراهية .. لماذا نفضل كل ما يدفع على الكراهية فى حين أننا مأمورون بالإحسان فى كل شىء ؟؟ .. لماذا نحترف الكراهية و رفض الآخر و ديننا عانى أشد المعاناة فى أيامه الأولى من الكراهية و رفض الآخر على يد كفار مكة؟؟

أنا لم أتناول الموضوع من جوانبه الفقهية .. فالفتاوى فى كل مكان .. وأيضا لا يعنينى أمر تهنئة غير المسلمين فى أوقات أعيادهم أو عدم تهنئتهم .. بقدر ما يهمنى ملاحظة لاحظتها فى ما وصلنى من تحذيرات و نواهى .. أرى بوضوح قدرا كبيرا من التحفز و الانفعال و مشاعر الكره فى عبارات التحذير و الوعيد و التشبيهات الغريبة و الممقوتة التى تساق لتنفر القارئ من عبارة "كل عام و أنت بخير" التى توجه لزميل نصرانى .. و كأن الذى أرسل إلى تلك الرسائل يرسلها و هو يصرخ و تكاد يده أن تخرج من شاشة الحاسب لتمسك برقبتى حتى أرتدع عما أفعله من ضلال

و إذا كانت مجرد التهنئة بمناسبة معينة يعتبر مرفوضا من وجهة نظر البعض .. فإن الأمور الأكثر أهمية من مجرد التهنئة بالتأكيد مرفوضة .. و ربما تعدى أصحاب هذا الموقف على بعض حقوق غير المسلمين

سؤال دائما ما يشغلنى: هؤلاء الزملاء الذين يشحذون هممهم فى سبيل التحذير من خطورة غير المسلمين و وجوب الوعى و اليقظة لهم .. هل يعرفون حقوق غير المسلمين فى المجتمع الإسلامى قبل أن ينبهوا من خطرهم؟؟ هل يتذكر أحدهم وصايا النبى عليه الصلاة و السلام و الصحابة بأهل الكتاب ؟؟

طلب و أرجو من كل واحد فيكم أن يجيبه فيما بينه و بين نفسه .. أرجو من كل واحد أن يحاول أن يتذكر خمسة حقوق شرعية لغير المسلمين فى المجتمع الإسلامى .. فقط خمسة .. أى خمسة .. و بعد أن ينجح فى تحديد هؤلاء الحقوق الخمسة .. فليسائل كل شخص نفسه .. هل سعى بالفعل فى سبيل تحقيق أيا منها كما سعى فى التحذير من غير المسلمين ؟؟ أم هى مجرد الرغبة فى تجسيد عدو و نبدأ بمحاربته ؟؟ فكما يقول الدكتور حسن حنفى: وكأن كل فريق يحارب عدوا خلقه بنفسه، وشخصه بفكره وإلا فمن يقتل؟ ومن يبارز؟ وعلى جثة من يقف رافعا رأسه إلى أعلى، هازا بيده سيف الانتصار؟


--------------
تحديث
---
شكرا لكل من نبهنى أن حديث درع النبى و اليهودى ضعيف .. أنا بالفعل لا أدرى حتى الآن هل هو ضعيف أم صحيح .. و لكن لى هنا وقفة

منذ سنتين تقريبا قال إبراهيم عيسى أنه يرفض هذه الرواية لأنه لا يقبل المتن .. و ذلك بسبب أنه لا يعقل أن يرهن النبى درعه عند يهودى و من صحابته من هو من أغنى أغنياء العرب

لم يلبث إبراهيم عيسى بعد أن قال قولته هذه بفترة قصيرة إلا و قد خرج الشيوخ من مكامنهم ليخطئوه و يوبخوه على أنه تكلم فيما ليس له به اختصاص قائلين: من هو إبراهيم عيسى هذا حتى يتكلم فى الدين و عن الصحابة .. و قالوا بصحة الحديث اعتمادا على أن السبب العقلى الذى ساقه إبراهيم عيسى يعد سببا موهوما .. و أن النبى قام بذلك الفعل ليسن لأمته سنة التعامل مع غير المسلمين تجاريا


على كل حال .. سواء كان الحديث صحيحا أم ضعيفا .. فيمكننا إسقاطه من التدوينة تماما .. فيوجد غيره من الأمثلة التى تدعم الفكرة .. و لنا فى زيارة النبى عليه الصلاة و السلام لجاره اليهودى بديلا لهذا الحديث

و شكرا لكم جميعا على اهتمامكم

أمر آخر ... يوجد موضوعان مهمان يتحدثان حول نفس القضية تقريبا . أحدهما عند دكتور حر هنا .. و الآخر عند بت خيخة و أى كلام هنا جزاهما الله كل خير