Friday, December 14, 2007

نظرة إيجابية فى العلاقة بين المذاهب

ناقش الآخر و أنت تراه أخا لك فى الدين .. لا عدوا لك فى المذهب


---------------------------------------------------------

تحديث

لقد تفضلت الأخت

Soul.o0o.Whisper

صاحبة مدونة

Voice Of Mine

بكتابة تدوينة تستكمل هذا الموضوع و تتناوله من زوايا أخرى .. و أعتقد أنها تدوينة مفيدة فى سياق ما تم كتابته هنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فى هذه التدوينة سنحاول أن نتعامل بإيجابية مع المذاهب و الفرق الإسلامية (بدون الدخول فى تفاصيل مذهبية) راغبين فى أن نضع نقاطا عامة تحكم عملية التفاعل بين المذاهب و بعضها



أولا: توضيح المفاهيم و التعاريف


---------------------------



نبدأ بتوضيح بعض المفاهيم المهمة التى تتبادر إلى الذهن حينما نذكر عبارة "الفرق الإسلامية" مثل "المذهب" و "تقريب المذاهب" و "توحيدها" و نحو ذلك



المذاهب: قد يطلق هذا اللفظ على المذاهب الفقهية و هو ما لا نقصده هنا.. المقصود هنا هو المذاهب الكلامية أو الفرق الكلامية و هو يطلق على التصورات و الاجتهادات التى وصل إليها علماء أصول الدين فى إطار العقائد الإسلامية و خاصة الألوهية و صفات الذات الإلهية و النبوات و الرسالات و ما يتعلق بها من معجزات و ما إلى ذلك من الأمور



هناك من يتعامل مع المذاهب بأن يتم أولا تحديد مناطق الاتفاق بينها تحديدا واضحا .. ثم ثانيا تحديد مناطق الاختلاف و التمايز تحديدا واضحا .. ثم يأتى بعد ذلك إلى التركيز على مناطق الاتفاق و اعتبارها و الاهتمام بها و ذلك بهدف خلق صيغة تعايش بين أصحاب المذاهب المختلفة داخل نفس الأمة .. و ذلك بترك مساحات الاختلاف و التمايز ليتم تناولها فى ساحات الفكر بأدواتها و برجالها دون تعصب أو محاولة لنفى الآخر .. بل بتجرد لطلب الحقيقة .. و هذا المفهوم هو ما يسمى بالتقريب بين المذاهب و هو يختلف تماما عن مفهوم التوحيد بين المذاهب كما سيتضح من الآتى



و هناك من يحاول أن يتعامل مع المذاهب بغرض توحيدها و دمجها فى مذهب واحد يعتقد صاحبه أنه المذهب الصواب .. و ترك بل نفى كل ما هو مخالف لهذا المذهب بشتى الوسائل .. و ذلك المفهوم لا ينادى به عاقل فضلا عن أن يقول به عارف بالتاريخ .. فإن لنا مثالا فى محاولة توحيد المذاهب المسيحية و ما جره ذلك على البشرية من تناحر.. نلاحظ أن "التقريب" يقر بالتمايز بين الأطراف أما "التوحيد" فينفى الاختلاف نفيا تاما



هناك أيضا حالة من النضج الفكرى يصل إليها المجتمع .. و التى معها يتم الاستفادة من المذاهب المختلفة و المتمايزة باعتبارها اجتهادات إسلامية فى إطار علم واحد و حضارة واحدة و دين واحد و النظر إلى الاجتهادات المذهبية المختلفة باعتبارها التراث الواحد للأمة الواحدة و من ثم الاستفادة بالملائم منها .. و هذا يمكن أن يسمى باحتضان المذاهب






ثانيا: التعددية المذهبية فى إطار الجامع الإسلامى العام


-----------------------------------------



إن التعددية فى الأمور شىء طبيعى بمعنى أننا إن نظرنا إلى الإنسانية نجدها تتعدد إلى حضارات متمايزة و إذا نظرنا إلى حضارة معينة (الإسلامية مثلا) نجدها تتعدد بين شعوب وأقوام و أجناس مختلفة.. و هكذا. فإننا فى كل صورة من صور التمايز بين الأمور نجد أن هناك جامعا أكبر منها يضمها تحت جناحه يحافظ على تنوعها و لا ينفيه و إنما ينبنى و يستفيد من هذا التنوع و التمايز.. و هذه سنة الله فى الكون. تأملوا معى قول الله سبحانه و تعالى الآيتين 118 و 119 من سورة هود (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ) يقول المفسرون عن هذه الآية أن الحديث عن الاختلاف و التنوع يكون باعتباره علة الخلق أى أن المعنى هو (و للاختلاف خلقهم) فكأنما التعددية هى علة الوجود و ذلك قول القرطبى



أما أن نتعامل مع الآخر على أنه خارج عن رحمة الله.. فذلك يجب الاحتراز منه .. و لنا أن نتذكر مقولة حجة الإسلام أبى حامد الغزالى و التى يقول فيها: "و أما القانون: فهو أن تعلم أن النظريات قسمان: قسم يتعلق بأصول القواعد و قسم يتعلق بالفروع و أصول الإيمان ثلاثة: الإيمان بالله و برسوله و باليوم الآخر و ما عداه فروع و اعلم أنه لا تكفير فى الفروع أصلا إلا فى مسألة واحدة و هى أن ينكر أصلا دينيا علم من الرسول صلى الله عليه و سلم بالتواتر و لكن فى بعضها تخطئة كما فى الفقهيات و فى بعضها تبديع كالخطأ المتعلق بالإمامة و أحوال الصحابة"ا



و باعتبار مفهوم "التقريب" السابق ذكره .. نجد أننا لا نطلب أن يتنازل الشيعى عن شيعيته أو المعتزل عن معتزليته أو السنى عن سنيته فى التو و اللحظة من أجل إحداث حالة من التقارب بين أبناء الأمة .. لا .. فذلك أمر لا يحدث بين يوم و ليلة كنتيجة لخطبة عالم أو لبحث باحث أو لمؤتمر ينعقد .. بل يجب أن نعرف أن التقريب يؤتى ثماره من حالة مستمرة و متصلة من التعايش السلمى و البحث المتجرد عن الحقيقة .. فإن معتقدات الناس لا تتغير بين يوم و ليلة و هى المعتقدات التى فى سبيلها قد يضحى الإنسان بالغالى و النفيس .. بل بأمواله و حياته لأجلها (بغض النظر عن قبولها أو عدم قبولها من الطرف الآخر)ا


و باستدعاء مفهوم "الاحتضان" السابق ذكره .. و هو الذى يمكننا من استخلاص الصواب من كل تيار و الانتفاع به ..فكما يقول الدكتور محمد سيد أحمد المسير :" إن إنحصار الصواب فى فرقة واحدة من الأمة و التسليم بكل آرائها هو غير ممكن .. إذ كل الفرق فيها الصواب و الخطأ.. و الميزان الصحيح هو أن ترد المسائل مسألة مسألة إلى كتاب الله و سنة رسوله "ا



و نستطيع أن نقرأ أيضا مقولة مستنيرة للإمام السلفى الجليل بن القيم و فيها يقول: "و أهل السنة و حزب الرسول و عسكر الإيمان لا مع هؤلاء و لا مع هؤلاء بل هم مع هؤلاء فيما أصابوا فيه و مع هؤلاء فيما أصابوا فيه فكل حق مع طائفة من الطوائف فهم يوافقونهم فيه و هم برآء من باطلهم فمذهبهم جمع حق الطوائف بعضه إلى بعض و القول به و نصرة و موالاة أهله من ذلك الوجه و نفى باطل كل طائفة من الطوائف و كسره و معاداة أهله من هذا الوجه"ا


و يقول أيضا: "فهم حكام بين الطوائف لا يتحيزون إلى فئة منهم على الإطلاق و لا يردون حق طائفة من الطوائف و لا يقابلون بدعة ببدعة و لا يردون باطلا بباطل و لا يحملهم شنآن قوم يعادونهم و يكفرونهم على ألا يعدلوا فيهم بل يقولون فيهم الحق و يحكمون فى مقالاتهم بالعدل و الله سبحانه و تعالى أمر رسوله أن يعدل بين الطوائف فقال (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) [الشورى 15] فأمره سبحانه أن يدعو إلى دينه و كتابه و أن يستقيم فى نفسه كما أمره و ألا يتبع هوى أحد الفرق و أن يؤمن بالحق جميعه لا يؤمن بالبعض دون بعض و أن يعدل بين أرباب المقالات و الديانات و أنت إذا تأملت هذه الآية وجدت أهل الكلام الباطل و أهل الأهواء و البدع من جميع الطوائف أبخس الناس منها حظا و أقلهم نصيبا و وجدت حزب الله و رسوله و أنصار سنته هم أحق بها و أهلها" انتهى كلام بن القيم



و إن استعرضنا بعض جوانب التاريخ نجد نماذجا من هذا التمايز و التنوع البناء الذى أضاف إلى الأمة الكثير و الكثير فنجد مثلا أن من الذين اعتمد عليهم البخارى فى صحيحه ما يزيد عن الثلاثين راويا من فرقة المعتزلة بل نجد تراث الجاحظ و هو معتزلى تراثا لا يستهان به بل و نجد من المعتزلة أيضا صاحب كتاب "الكشاف عن حقائق التنزيل" و هو العالم الجليل الزمخشرى و هو كما يطلق عليه "رجل البلاغة فى القرآن"ا



و نجد اسهامات حجة الإسلام أبى حامد الغزالى فى الفقه و أصوله و فى العقائد و الفلسفة و فى الكثير من فنون العلم اسهامات جليلة مع اعتبار أنه أشعرى شافعى متصوف.. و كذلكم الإمام الحافظ بن حجر شارح صحيح البخارى نجده أشعريا شافعيا و مثله الإمام النووى شارح صحيح مسلم



و نجد شيخ الإسلام بن تيمية الذى شهر سيفه و شحذ فكره فى مواجهة المبتدعة من أهل التصوف يأخذ و يحكى عن صوفى جليل مثل الشيخ عبد القادر الجيلانى و كذلكم شيخه حماد الدباسى.. و نجد بن تيمية أيضا يأخذ من أقوال سهل بن عبد الله بن يونس التسترى و هم أحد أئمة الصوفية و علمائهم.. و يستشهد أيضا بمواقف شرف الدين أبى الفضائل عدى بن مسافر بن إسماعيل الهكارى و هو من شيوخ المتصوفة و كذلكم يأخذ عن أبى مدين التلمسانى و هو من مشاهير الصوفية بالمغرب



إن نفى الآخر نفيا تاما و اعتقاد أن الدنيا ليس فيها إلا طريقة واحدة فى الحياة و التعامل و التفكير و الإبداع إنما هو من الغرور الذى يورث الجمود و يؤدى إلى التنافر و التناحر .. هناك دائما فكر آخر و منهج آخر و علم آخر لا يمكن أن يكون خطأ محضا بل من الممكن أن يكون قيمة و مكسب و إضافة و خطوة على طريق التقدم و الرقى .. فإن أردت أن تناقش أخاك فناقشه و أنت تراه أخا لك فى الدين .. لا عدوا لك فى المذهب