- ذاع في الاونة الاخيرة صيت من يسمون انفسهم " السلفيون " نسبة الى السلف وهم يرمون من وراء ذلك اتباع السلف الصالح الذين هم اهل القرون الثلاثة ( الصحابة - التابعين - تابعي التابعين ) وهذا الاتباع يقصد به اتباعهم في " الفهم " كما ينطق شعارهم الكتاب والسنة بفهم سلف الامة - مستمدين الاحكام الشرعية من هذين الاصلين وفق هذا الفهم واهدار ما سواهما من مصادر للاحكام وقصر اعمال العقل على مجرد اختيار فهم من افهام السلف الصالح يكون هو الاقرب للكتاب والسنة عند التعدد
( ويعد بحق امام هذه المدرسة هو الامام احمد بن حنبل (164-241هـ/780-855م
وهذا التوجه الحنبلي كان تيارا من التيارات الفكرية في ازهى عصور الفقه وهو وان كان نافس غيره في الوجود إلا ان اصول هذا الفكر لم تستطع عاطفيا ولا عقليا ان تحقق الغلبة والانتشار على حساب أيا من المذاهب الاخرى خاصة الحنفي حيث نشأ معا في بيئة واحدة , ولعل هذا يرجع الى أن حاجة الناس الى الفقة والاجتهاد وإعمال العقل كان اكثر إلحاحا وضرورة من مجرد التقيد بشكل حرفي بفهم قديم او اتباع حديث ضعيف على حساب قياس جلي او استحسان ضروري
فقد انطلقت عجلة الفقة واصوله شرقا وغربا من العراق والحجاز والشام ومصر حتى بلاد الاندلس وذلك نحو سبر اغوار الشريعة الاسلامية الغراء تصعد تلالا وتنزل وديانا مستمدة قوتها من اصول علوم العقل والمنطق الذي هو اداة كل باحث ومستكشف في البحث والتدبر وبيان الحدود والرسوم لتأصيل الاصول وتقعيد القواعد لصياغة منهج فكري لكل مجتهد في الشريعة الاسلامية حتى يجد كل مفتي مفتاحه وكل مستفتي ارتياحه وتصير الشريعة الاسلامية هي قانون الاحكام ليس هناك امر من امور الدنيا إلا وقد تناولته الشريعة بما يدفع الضرر ويجلب النفع للانسان حسب معطيات كل عصر ومكان حتى يرث الله الارض ومن عليها.
واستمر ذلك حتى حلت على الامة عصور الظلام السياسي والعلمي والفكري وحل الجمود محل الاجتهاد وصار كل يقلد شيخه ويتبعه في رأيه حيث توقف الاجتهاد إلا من الترجيح وتوقف التأليف إلا عن الشروح وكتابة الهوامش فبعدت الناس عن الاصول وألحقت الفروع بما سبق من فروع وصار قول سلف المذهب قرآنا لخلفه وعاشت الامه في سلفية الفقه في سلفية الفهم في سلفية الزمان والمكان ..حتى نبذهم الزمان والمكان
وظهر ابن تيميه في هذه العصور المتأخره داعيا الى التجديد ونبذ سلفية المذاهب واعاد الفروع الى الاصول وألصقها بالنصوص مسترشدا في فهم النصوص بفهم الصحابة ومنهجهم في الاجتهاد..فكان متبعا في اجتهاد ..ومجتهدا في اتباع وحرك الساكن من الفقه واضاف الى تراث الامة الفكري رغم معاركه الفكرية التي استغلظ فيها على اهل الفرق الكلامية آخذا الحابل بالنابل في سعي منه لتخليص التراث النصي العقائدي مما علق به من افكار المتكلمين واطروحاتهم الجدليه ..وان لم يسلم هو نفسه من ذلك
وقد تبعه في ذلك تلميذه ابن القيم الذي صار بروح شيخه لا على خطاه فجاءت مؤلفاته مجددة في عمومها جديدة في حلتها ..غير واضحة الاصول !! فلم يكن ابن القيم ممن يلتزمون ظواهر النصوص
ولما كان عصور الظلام في هذه الامة اطول من غيرها , فإن الجمود الفكري والتقليد والاتباع لا يلبث إلا أن يطغى ويغلب اهل التجديد الذين يتحولون الى مقلدين متبعين للمجدد الاول
وهكذا ظلت بين الفينة واخرى دعوات تدعوا الى السلفية بمعناها الحق , سلفية " كيف كانوا يفكرون ويجتهدون " لنحذوا حذوهم لا سلفية " كيف كانوا يفعلون ويقولون " لنقلدهم فيها فهذه سلفية القرود والببغاوات فإن أي قرد يستطيع أن يقلد صحابيا ولكنه لن يستطيع ان يفهم لماذا فعل الصحابي هذا ولم يفعل ذاك
وقد انتشر في الاونة الاخيرة هذا النوع المقلد من دعاة السلفية وصاروا على نهج التقليد والاتباع فيما ابطله العلماء , ونفوا اي فضل لمن خالفهم او لمن لا يتبعونهم من اهل المذاهب الكبرى
وهذا دليل بطلان السلفية بمعنى التقليد والاتباع حتى لو كان التقليد والاتباع للصحابة
اولا : الصحابة يردون على رسول الله ولا يكتفون بالتقليد المجرد من الوعي والفهم .
مثال : امر رسول الله بإهراق آنية تطهى بها لحوم حمر انسية وكسرها فرده احد الصحابة مقترحا بقوله نهريق ما فيها ونغسلها يا رسول الله فقال او ذاك والحديث في البخاري , سعد بن معاذ يأخذ الزكاة من اهل اليمن بضاعة قماش بدلا من الحبوب كما امر رسول الله معللا ذلك بالحاجة , منزل بئر بدر, امر النبي صحابته بألا يصلوا العصر إلا في بني قريظة فصلى بعضهم دونها فلم ينكر ذلك
ثانيا : اختلاف الصحابة بينهم حول نص ينفي اختصاص احدهم بالصواب وبالتالي تنعدم الحجية إلا للعقل والفهم والعقل والفهم غير محصور في زمان ولا مكان ولا شخص بعينه
مثال : القرء , وحد الشرب , ووجوب الغسل من الإكسال
ثالثا : الصحابة تعرض لهم عوارض النسيان
مثال : أنَّ رَجُلًا أَتَى عُمَرَ فَقَالَ إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ مَاءً فَقَالَ لَا تُصَلِّ فَقَالَ عَمَّارٌ أَمَا تَذْكُرُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ أَنَا وَأَنْتَ فِي سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبْنَا فَلَمْ نَجِدْ مَاءً فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ وَصَلَّيْتُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ الْأَرْضَ ثُمَّ تَنْفُخَ ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَكَ وَكَفَّيْكَ فَقَالَ عُمَرُ اتَّقِ اللَّهَ يَا عَمَّارُ قَالَ إِنْ شِئْتَ لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ . الصحيحين والسنن واللفظ لمسلم
رابعا : الصحابة يعارضون كلام الله ورسوله لمصلحة يرونها
مثال : وهذا ابن عمر يقول إذ أمر بالمتعة في الحج، فقيل له: أبوك نهى عنها فقال: أيهما أولى أن يتبع، كلام الله أو كلام عمر ؟ , وسهم المؤلفة قلوبهم , وحرق علي للخوارج
إن القول بإن الصحابة او السلف الصالح معصومون في الاجتهاد من الخطأ لهو الخطأ ..
يقول ابن عباس : : أما تخافون أن يخسف الله بكم الارض أقول لكم: قال رسول الله (ص) وتقولون قال أبو بكر، وعمر.
إن هؤلاء الادعياء الذين رأو التقليد والاتباع ورأو ان الصواب في عدم الفهم واغلاق العقل دون الاجتهاد اكتفاءا بفهم من سلف , قد جنوا على انفسهم من حيث ارادوا لها الفلاح , فلو كانوا على علم او دراية من فقه لما ذهبوا الى ما ذهبوا إليه ولكن عقولهم القاصرة وملكاتهم العاجزة توقفت بهم عند حفظ المتون وظنوا أن هذا هو الفقة وانهم حازوا الشهادة الكبرى لمجرد أن اجيز احدهم في قراءة كتاب من كتب الحديث , فلو كانوا يفقهون او يتفقهون لعلموا بطلان التقليد في العقيدة وان اعمال النظر هو الواجب ولعلموا ان الاتباع والتقليد في الامور العملية مذموم عند اهل الفقة إلا اذا انعدم الفقيه المجتهد , ولهذا الجهل الفاضح بالفقه نراهم يتطاولون على رجال الازهر ويرمونهم بالاشاعرة ..والاشعرية والتي تعني اهل السنة والجماعة وهم غالبية الامة - تهمة نكراء عند هؤلاء الادعياء الذين لا يكادون يفقهون حديثا ويستغلون جهل الناس بالمذاهب الكلامية فيعلمونهم ان الاشاعرة هم القبوريون الذين يتوسلون بالاموات ليضحى الجامع الازهر هو احد دعاة الشرك بالله !!! ..ألا ساء ما يحكمون
ان كل امر لا يجدون قولا للصحابة فيه يرمونه بالبدعة حتى صارت الكراسي بدعة , وكل امر فعله صحابي ولم يفعله رسول الله فإن الصحابي نفسه يكون مبتدع فيبدعون الاذان الثاني من يوم الجمعة .ومع ذلك لا يتوقفون عن بدعة الاذان الاول في الميكروفون من داخل المسجد وهي بدعة ومع ذلك لم يستطيعوا ان يقاوموا اغراء الميكروفون ولكن استطاعوا ان يقولوا ان عثمان بن عفان مبتدع
بل ان العقائد التي يهتمون بها ويجعلون جل حديثهم فيها لا يفقهون فيها شيئا مع ان الواجب اعمال النظر فيها كما قال اهل الاصول فأذا كان الصحابة رضوان الله عليهم ليس لهم فيها قول وذلك لانهم لم يكونوا يحتاجوا لمعرفة معنى قل هو الله احد , او معنى : ليس كمثله شئ , لم يكونوا يحتاجون وهم يبايعون رسول الله ان يعرفوا معنى : يد الله فوق ايديهم ..الخ , فلما نظر هؤلاء الى قول السلف فيما عرض عليهم سقطوا امام المتكلمين فداوو سقوطهم وعجزهم بتبديع وتكفير وتفسيق المتكلمين جميعا ومنهم الاشاعرة اهل الستة والجماعة , وقالوا بالتوقف والتفويض في ايات الصفات ولجهلهم فمن حيث ارادوا نفي التشبيه قد وقعوا في التجسيم
فجعلوا لله يدا ( أداه يرفعها ويضعها ) وجعلوا له أيد , وجعلوا لله عين ( اداة ابصار) وجعلوا له أعين , وجعلوه يجلس ويقوم , ينزل ويصعد كجسم ولكن ليس كأي جسم ونزول وصعود يليق بكماله ..محاولة لغوية فاشلة للتهرب من التجسيم ..
ولننظر الى هذا التخبط في فتاوى الالباني في العقيدة يقول :... من قال من السلف : بأن له عينين، والآية التي ذكرناها آنفاً (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا)الطور48 ، هي بلا شك، وإن كان ليس المقصود في أعيننا كما يظن بعض المعطلة و المؤولة ، وإنما أنت تحت مرآنا وتحت بصرنا وتحت عنايتنا، وإن كان هذا المعنى هو المقصود، لكن ذلك يستلزم إثبات هذه الصفة لله عز جل، فأنا أعتقد بما جاء به بعض السلف كما ذكرت
تخبط واضح فلا هو يلتزم التفويض ولا يمتنع عن التأويل !
- هذا وقد بلينا في مصر من هؤلاء الادعياء بأشطرهم تقليدا ..فخلعوا زيهم وارتدوا الجلباب الخليجي الفاخر والعباءات المطرزة , فهذا ما فهموه من السلفية انها التقليد فقط حتى في الملبس ( ويا ليتهم قلدوا الزاهدين من اهل السلف )., واذا جلسوا معا بين الناس يتحامدون ويكثرون الثناء على بعضهم بعضا ويتباكون امام الناس والكاميرات دون احتراز لشبهة الرياء وجعلوا اسماؤهم فلان بن علان بن ترتان تدليسا على الناس بقصد او بدون قصد يكفي علمهم بأن هذا ليس من عادة الناس في اسمائهم بمصر فيقع الايهام بان المتحدث او المنوه عنه ذو شأن ( لي صديق كان تافها يريد ان يصبح مطربا ومغنيا حتى هداه الله وفوجئت به صار سلفيا وقد أعطاني كتيبا فيه رد على فتوى الختان بعد ان انتهيت من قراءته وجدت المؤلف فلان بن علان بن ترتان ..مين ده يا واد ياسعيد فأجاب مستغربا : أنا ..ايه نسيت اسمي !!!؟) .
في احدى المرات كتبت موضوعا وجاء فيه ذكر البخاري فكتبت احدى الاخوات بشكل عفوي في الشات بوكس تعليق عن محمد بن اسماعيل ..فظننتها تقصد البخاري ورددت بناء على هذا , فذكر لي ابن حجر انها تقصد محمد اسماعيل المقدم ..لا محمد بن اسماعيل البخاري وهكذا ظللنا ساعة انا وزميلي نحتار ايهما تقصد حتى قام زميلي بكتابة رد يسألها تقصد محمد بن اسماعيل المقدم ام البخاري ؟
وهذا المقدم الذي يسبق اسمه لقب دكتور ولا يعلم الكثير من العوام ان العلامة الدكتور ليس بروفسيرا اكاديميا وانما هو طبيب فهل هو علامة في الطب ام في العلم الشرعي؟
هذا العلامة الذي في احدى خطبة المسجلة يقول ومن معاني الوهابية انها قد تكون : نسبة الى اسم الله الوهاب !!
ولكن لا بأس به إذا عرفنا ان صاحبه ينكر ان يكون الله ستارا وانه ستير فقط ( نفسي اعرف كان بيجيب كام في النحو والصرف ) , وصاحبهما يقحم نفسه في التفسير ولما لا والمقادير متوافرة وهي كالتالي : وجه مكفهر , دمعتان , حشرجة في الصوت عند المواقف المؤثرة او غير المؤثرة ليجعلها مؤثرة , ساعة بيضاء بلون الثياب , تحريك اليد في الهواء وكأنه بيقولك انه عنده علم كبير وعايز يبسطهولك بالاشارة بس مش عارف يبسطهولك اوي ( ما تفهم بقى ياخي هتغلبنا ليه ) + اي كلام ييجي على بالك ..واخر الحلقة تكتشف انه كان بيفسر مش بيخطب
ان السلفية الحقة هي اتباع منهج السلف في الاجتهاد وعدم التوقف عند ما بلغهم او لم يبلغهم من نص ومراعاة الادب في الاختلاف وعدم الاستعلاء على الاخرين برأي , هذه هي سلفية الحق والنور مقابل سلفية الظلام والتقليد , سلفية الراعي ..لا سلفية القطيع
ان سلفنا الصالح من اهل القرون الاولى لم يعرفوا السلفية الفكرية والتبعية العقلية وان تسمية العصر الثاني والثالث بالتابعين وتابعي التابعين ليست سوى اصطلاح اصولي عند علماء الحديث والاثر يقصد به تتابع السند
وقد نسى قطيع السلفية ان تعدد اراء الصحابة ما هو إلا لأختلاف الافهام واختلاف ظروف المكان فكانت فتاوى ابن مسعود في العراق تختلف عن فتاوى ابن عباس وزيد بن ثابت بالحجاز .. وتابعيهم خالفوهم في بعض فتاويهم ..فاذا كان الاجتهاد هو عمل السلف فلماذا يكون عمل الخلف هو التقليد والاتباع الظاهري ؟