مقدمة
إن الدين عند الله الاسلام
تمهيد
خلق الله الكون وشرع له نظامه وقوانينه التي يسير عليها فإذا ما شذ عنها ..أختل
ورأينا كم في الكون من حسابات دقيقة وترابط يجمع بين اجرامه وذراته ويربط ظواهره بعضها البعض كما نرى في علاقة المد والجزر في البحر وحركة القمر من الارض والشمس
وإنا لنصحو صباح كل يوم نشخص بأبصارنا إلى السماء نلتمس دفء الشمس على بشرة وجوهنا
كما نشخص بها عند غروبها نلتمس نسمات الغروب الرقيقة
فإذا ما جن الليل حل السكون من حولنا لتجد اعضائنا راحتها بعد عناء يوم شاق
فالحمد لله رب العالمين
.......................
رضينا من الله قوانينه الطبيعية ورأينا كيف يختل النظام إذا ما خالف قوانينه
وآمنا ان الله هو الخالق وان علماء الدنيا لا يمكن أن يبدعوا لنا نظاما مثل هذا النظام
فكيف بنا ..لا نرضى أن يسن الله لنا نظاما وتشريعا نسير عليه في حياتنا ونوكل هذا الامر لبشر مثلنا ؟؟؟
يقول ربنا سبحانه وتعالى يصف منهجه " إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم " وليس أصدق من الله أحد حين يصف منهجه فكيف نرتضي منهجا سلوكيا غيره وإن وصفه الوصافون أو مدحه المداحون
فعلينا أيها الناس أن نلزم منهج الله السلوكي في حياتنا كما إنتهج الكون منهج الله في حركته وسكونه أناء الليل وأطراف النهار
........................
وكأني أسمع من خلف هذه الشاشة من يتسائل : وأي منهاج نطبق ؟ وكيف , ..وماذا عن التغيرات الزمنية التي في عصرنا وتختلف عما مضى ؟
وإلى هذا المتسائل أتحدث : عزيزي
لقد وقعت في الخطأ مرة اخرى وهو نفسه السابق كلما تحدثنا عن تطبيق شرع الله
يبدو إن الذي تعلمه عن الاسلام ويظنه كثير انه : عمام وجلابيب .. لحى وأنقبه .. وعصى غليظة تدور في الشوارع تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر
يا عزيزي ..إن الاسلام دين الله ورسالته للعالمين ..وليس دين العرب ورسالتهم
ورسالة الله للعالمين يجب أن تكون مفهومة للعالمين ..نافعة للعالمين ..صالحة للعالمين في كل زمن أو مكان هم فيه
لإن المرسل هو الله ..والله يعلم كيف يراسل خلقه ويخاطبهم
........................
ونحن نقرأ رسالة الله ( الاسلام ) من أصلين
الأصل الاول : القرآن الكريم وهو حجة الله على الناس
فإذا ما نظرنا إلى كتاب الله وجدنا التوحيد , وجدنا الترغيب والترهيب , وجدنا النصح والارشاد والتوجيه , وجدنا التكليفات المفروضة والمقدرة, وجدنا العقوبات الزاجرة الرادعة
ونقرأ في رسالة ربنا ( الاسلام ) من الاصل الاول ( القرآن ) أن مناط التكليف هو العقل والبلوغ ومناط المسئولية هي العقل والارادة , ومناط العقوبة هى مخالفة الامر والنهي
وأن الله رتب نوعين من العقاب
عقاب بين العبد وربه وهو كل مخالفة لا يتأتى منها ضرر لغيره
وعقاب أوكل الله إقامته في الدنيا على كل مخالف لأمر رتب ضرر في حق الغير
والاسلام بذلك يجمع بين الخيرين
أن يكون الدين من الله
والقانون ايضا
على خلاف قوم آخرين يفرقون بين ما لله ..وما لقيصر
فالقرآن كتاب هدى ..وتنظيم .. وردع
يشرع للحياة ..ويحميها
ويمتاز القرآن بأنه منهج يستجيب للمتغيرات الزمنية والمبتكرات العصرية
ولكن..يجب أن نفرق بين متغيرات الزمن ..ومتغيرات الهوى حيث أنه لا يستجيب للاخيرة بل يهذبها ويروضها ويخضعها له
لذا ..فكل ما يعارض الاسلام فأعلم انه من متغيرات الهوى
فإن الاسلام هو اول من وضع النصوص الاستثنائية واول من قنن للحوادث الطارئة
وفي الفقة باب عظيم هو الرخص فأرجع إليه لعلك ترشد
واعلم ان مناط القرآن هو تحقيق مصالح الناس ومنفعتهم ودفع المفاسد عن سبيلهم
فكل ما فيه جلب لمصلحة ودفع لمفسده فهو من الاسلام وإن لم يدركك نصه أو تعي عقلك معانيه لان المصلحة هي علة التشريع
فلا تجعل من ذهنك القاصر قيدا على ما ينفع الناس او يدفع عنهم الضرر بحجة ان تأويل النص يقول كذا ..فأجعل عقلك دائما هو المتهم وأعلم انه لا تعارض بين كتاب الله وبين ما ينفع الناس
وأعلم خطا مقولة لا إجتهاد مع صريح النص أو نسبيتها على أخف قول
فالخاص قد يعمم والعام قد يخصص والعلة قد تتبدل فتنسخ والحال قد يمنع والرخصة إن لم تكن واجبة كانت مستحبة وكلامنا يعرفه اهل الفقه
فنعتذر للايجاز حيث يضيق هنا المجال
.....................
الاصل الثاني : سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يعرفها اهل اصطلاح الحديث
والسنة من القرآن هي الشارحة لمقاصده, المبينة لمبهمه , المفصلة لمجمله
وهي أيضا : تشريع
فالسنة مشرعة لأحكام ليس لها أصل في القرآن ومنها بيع السلم وجلد شارب الخمر
على أن سنته صلى الله عليه وسلم تشريع عام ..وخاص
تشريع عام لكل العالمين ترسي مبادئ الفضيلة والعدالة الاجتماعية
وتشريع خاص .لامة العرب إلا ما دل لفظه على إطلاقه وخلوه من قيد الزمان
وقضاء كان يقضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه
فرسول الله كمشرع كان يشرع للعالمين عامة وللعرب خاصة
فما يتبين لنا انما قصد به العرب لحال سائد فيهم او لظروف ألفوها ..وما جاء من احكام مصدرها الاوحد هي السنة فلا تلزمنا إلا عند تشابه الاحوال وتكون هادية لنا في الافتاء بما ينفعنا
وذلك نأخذه من نسخ رسول الله لبعض اوامره ونواهيه
كنهية عن زيارة القبور ثم اباحتها وعن ادخار لحوم الاضاحي ثم اباحتها واستحباب اتباع الجنائز
فرغم أن اخر قوله في ذلك هو الفعل لكن قد يأتي حال يتشابه والحال الاول فيكون عدم الفعل اولى وهو الحكم
وكذلك في امور واحوال لم تجد في عصره يتبين لنا من هديه صلى الله وعليه وسلم أن أمره فيها كان ليتغير إن أحاط بها علما
كما فعل عمر بن الخطاب حين امضى الطلاق بلفظ الثلاث ثلاثا عندما كثر التلفظ به عما كان عليه عهد رسول الله
وما فعله عمر بن عبد العزيز حين رأى تدوين السنة خشية نسيانها وكان رسول الله قد نهى أن تدون
......................
إن الاحوال تتبدل , والسنة ليست وحيا بل هديا, والقرآن الذي نصفه بالمقدس لانه كلام الله فهو يجعل القداسة هي حياة المسلم : دمه وروحه
ومن هنا يجب أن نخرج الفقه والفقهاء والسنة الخاصة الزمنية من نطاق الالزامية
ولنطبق رسالة الله ومنهجه في حياتنا
.......................
وأعلم أننا لا يجب أن ننساق وراء ( أسلمة ) ما نهواه بحجة تغير الاحوال
وأن الفرق بين ما نهواه وبين مقاصد شرع الله هو امكانية التطبيق لا امكانية الافلات
فنظام الحكم القائم على الفصل بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية وأن كان يختلف عن نظام الامامه فهو يتفق مع المبدأ الذي يسري به الفصل وهو مبدأ سيادته القانون وذلك حين يكون القانون هو الشرع فأهلا بالفصل بين السلطات واهلا بالاحزاب والبرلمانات طالما أن الذي يشرع انما يشرع من منهج الله والذي يقضي انما يقضي بمنهج الله والذي ينفذ انما ينفذ ما شرع من منهج الله وقضي فيه بمنهج الله
.........................
وفي مصر
القانون المدني قانون اسلامي بخلاف ما يسمى بالفوائد القانونية وعقد التأمين ويمكن الاستعاضة عنالاولى بالغرامات التأخيرية التي يقضى بها لصالح الدولة او لصالح المضرور ان ترتب على تأخر الوفاء ضرر
ولا مانع من تعويض المنفعة الضائعة جراء التأخير في الوفاء بالتزام اذا كان لها مقتض
اما الثانية وهي عقد التأمين
فالخلاف يكاد ينحسر في التأمين على الحياة وهذا النوع حقيقة وغيره من انواع التأمين انما نشأ لأغراض ربحية
وعلى الدولة ألا تتعامل مع شعبها من منظور ربحي او تنظر إليهم كعملاء وزبائن او مستهلكين
بل يجب عليها تأمين احتياجات الناس ولا تدفعهم إلى اللجوء إلى اعمال تأمينيه خاصة
وقانون العقوبات : نجد انه فقط يخلو من الحدود
والحدود المتفق عليها ثلاثة : حد الزنا ( الجلد ) وحد القذف وحد السرقة والباقي على اختلاف بين المذاهب والفقهاء
_______
لمناسبة ذكر الحدود نقول : فإذا كان حرمة دم المسلم قاطعة فلا سبيل لأهدارها بشبهة ظنية فلا حد للردة بل تعزير ولا رجم حيث يستحيل عقلا نسخ نص تلاوة وبقاء حكمه بينما هناك احكام نسخت مع بقاء تلاوتها فايهما كان أولى , مع ركاكة النص الذي يستند إليه الراجمون مع عدم امكانية تطبيق نصفه على الامة المحصنة إذا زنيت مع اختلاف بين (الزانية والزاني ) حيث قدم المرأة لانها محل شهوة تدعو الرجل بها وبين ( الشيخ والشيخة ) حيث جعل الرجل هو محل الشهوة وهذا خلاف الحال مع غرابة لفظ ( البته ) إذ لم يذكر في القرآن مرة واحدة , مع كونه عقوبة مهدرة للدم وجعله من الحدود يكون الأولى به أن يكون بلفظ يتولى الله حفظه أي نص قرآني فالله أولى بأن يحمي حدوده خاصة ما يتعلق منها بالدماء
بخلاف كون احاديث الرجم من الاحاد
.........................
ولا بنوك .. ولا لمحاولة أسلمتها
فهذا الثوب ليس من صناعتنا ولا يناسبنا
ولننشئ بيوت مال يكون هدفها الادخار بلا عائد بل بأجر تتحمله الدوله هو ما تعطيه لموظفي بيوت المال حيث تصبح بيوت المال التي هي بديلا عن البنوك كأي مؤسسه خدمية حكومية لا تهدف إلى الربح ولا تتقاضى الدولة رسوما بل يكفيها ما سيوضع بهذه البيوت من اموال زكاة ايضا تتولى انفاقها على الاسر الفقيرة والمحتاجين وتكون اجور الموظفين من باب ( والعاملين عليها ) وفي ذلك يكون تشجيعا للادخار حيث يتوفر المال الذي تقرضه قرضا حسنا فتساهم في زيادة المشروعات وزيادة الانتاج والدخل القومي
ويصبح لبيوت المال وظيفة اجتماعية واقتصادية حقيقية للشعوب المسلمة
......................
اما عن الاسلام وغير المسلمين
فعلينا أن نلقي جانبا بما حوته كتب الفقه من احكام عنصرية ونعود إلى المبادئ العامة نستقي منها الفقه الذي يؤدي إلى التعايش السلمي ويجعل لكل ابناء الوطن الواحد نصيبا في غلتها وثمارها
.....................
اما موقف الاسلام من الفنون فنحيل فيه إلى مؤلفات الشيخ القرضاوي