الحلال والحرام ..والامور المشتبهة

بسم الله الرحمن الرحيم
حديثنا اليوم عن الحلال والحرام ..والامور المشتبهة التي بينهما
لما خلق الله أدم قال له : اسكن انت وزوجك الجنة فكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين
هنا نجد ان الله أباح ..ومنع ..ولكنه لم يسمي ما أباحه ولكن بين ووضح وفصل ما حرمه ومنعه عليه
يعنى دائما الشئ المحرم يذكر على وجة البيان والتحديد وما عداه يكون مباح
نفس الامر في بيان المحرم على امة الاسلام والناس اجمعين
قال الله في القرآن في بيان الاعمال السلوكية المحرمة : قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم واياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون .الانعام اية 151
وقال سبحانه وتعالى في بيان الاطعمة المحرمة : قل لا اجد فيما اوحي إليّ محرما على طاعم يطعمه إلا ان يكون ميتة او دما مسفوحا او لحم خنزير . الانعام 145
وقال في بيان الاشربة المحرمة بعد ان عرفنا تحريم الدم المسفوح السائل من الايات المذكورة سابقا فأنه حرم شرب الخمر فقال : انما الخمر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فأجتنبوه . المائدة اية 50
وقال في بيان المحرمات من النساء : حرمت عليكم امهاتكم وبناتكم واخواتكم....الاية .سورة النساء اية 23

وغيرها الكثير من الامثلة من القرآن والسنة النبوية المطهرة ..ونمسك عند ما ذكرنا طلبا للايجاز
...............................
وحتى لا أطيل عليكم - فالحرام معلوم لنا جميعا على وجه القطع بإدلة قطعية بحيث يعاقب فاعل الحرام
وكل ما حرمه الله ..حرمه لما فيه من ضرر فالشريعة وضعت لدفع الضرر او المفاسد وجلب المصلحة او المنافع
فكل ما فيه ضرر هو ممنوووع ..وكل ما يجلب للناس مصلحة فهو مشرووع
ولكن هناك امور استجدت او لا يوجد نص على تحريمها أو جوازها ..فكيف نعرف اذا كانت حلال ام حرام؟
نقول ..فيه ادلة نعرف بها الحلال والحرام في حالة عدم وجود نص الادلة دي منها الاجماع والقياس والاستحسان والذرائع و والمصالح المرسلة والعرف وقول الصحابي
والادلة دي كلها زي العدة اللى بيشتغل بها الصنايعي او ادوات الدكتور ..فدي عدة الفقية اللى بيشتغل بها وادواته في الاجتهاد
وزى ما بتروح للدكتور فيطلع جهاز الضغط وميزان الحرارة ويحط السماعة ويعمل رسم قلب ويستخدم كل الادوات المتاحة كي يبحث عن المرض ويعرف موضعه وما نوعه ودرجة خطورته ..او ان مفيش مرض اصلا وان هذا وهم
كذلك الفقية .يستخدم كل ادواته كي يبحث عن الضرر أو المنفعة
فإذا وجد ضرر يروح كاتب في الروشته : لا ضرر ولا ضرار
واذا وجد مصلحة ومنفعة يكتب في الروشته : اينما وجدت المصلحة فثم شرع الله
نأتي بعد ذلك لسؤال مهم
الامور المشتبهة بين النفع والضرر او بين الحلال والحرم ؟؟ ما العمل فيها؟
وردت الاثار النبوية بالحض على اجتناب الامور المشتبهة والتحذير من ان مقترفها يوشك ان يقع في الحرام
عن النعمان بن بشير قال
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الحلال بين والحرام بين وبين ذلك أمور مشتبهات لا يدري كثير من الناس أمن الحلال هي أم من الحرام فمن تركها استبراء لدينه وعرضه فقد سلم ومن واقع شيئا منها يوشك أن يواقع الحرام كما أنه من يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه
رواه الترمذي
والقول بتركها وعدم فعلها هو ترجيح للترك بدون مرجح وجعلت في فعلها حرام ..لاني علشان اتركها ولا اعمل بها يبقى لازم تكون حرام طيب انت عرفت انها حرام ازاى وهى اصلا مشتبهة علينا؟؟
يبقى اذن هي مش حرام لانه لا دليل قاطع ومرجح على حرمتها
فماذا يفيد اذن امر الرسول علية الصلاة والسلام باجتناب الامور المشتبهة علينا؟؟
قلنا في درس سابق ان الامر هنا يفيد الكراهة لا التحريم لوجود قرينة هي ان المنهي عنه يحتمل الحل كما يحتمل التحريم
والامر باجتنابها يفيد ان فعلها مكروه ..يعنى يستحق لوم ولا يستحق عقاب
تمام كده : فهل يعنى كونها غير معاقب عليها انى افعلها رغم انها مكروهة ويلام فاعلها
هل معنى ذلك ان ندعو الناس الى فعل الملام عليه من الشرع؟
للجواب نقول
اولا : كيف نعرف ان الفعل من الامور المشتبهة؟
هل يترك لتحديد ذلك الى الشخص العامي العادي ..لو عملنا ذلك فأن الشخص العادي تشتبة عليه الكتير من الامور الحلال والامور الحرام
وما بيعرفش فيها حاجه فهنا يكون مكروه له ان يفعل منها شئ الى ان يسئل العلماء ..يبقى لو اعتبرنا المقياس في تعريف الامور المشتبهة للشخص العامي هيترتب على ذلك ترك الحلال خشية اللوم او اعتقادا انه حرام او فعل حرام اعتقادا انه حلال ..وهذا هو ما جاء بالحديث المذكور اعلاه وبين ذلك أمور مشتبهات لا يدري كثير من الناس أمن الحلال هي أم من الحرام
اذن ..المقصود بالامور المشتبهة ..ان تشتبهة على العلماء فلا يعلمون فيها حكم شرعي يفيد جواز الفعل او الترك
في هذه الحالة يكون فعل هذه الامور المشتبهة مكروه يستحق اللوم من الشرع
..................
طيب دلوقتي احد هذه الامور اللى اشتبهت عليا لانها مستحدثة أختلف العلماء فيها
علماء قالوا حرام ..وعلماء قالوا حلال
فهل تظل بذلك من المشتبهات ونتركها ؟
يقول الطحاوي في مشكل الاثارفي هذه المسألة : فقال قائل أفيكون هذا الذي ذكرته مانعا للحكام من الحكم فيما يدخل عليهم فيه ما وصفته ؟ فكان جوابنا له في ذلك أن المفترض على الحكام في ذلك بعد اجتهاد رأيهم فيه إمضاء ما يؤديهم فيه آراؤهم إليه كما أمرهم رسول الله عليه السلام
والان.. فما العمل وأيهما نتبع؟
قال علماء الاصول والخروج من الخلاف مستحب فليقلد من أجاز
ومع ذلك قد يسأل احد الناس : كيف أقلد من اجاز وهناك من قال بانها حرام وممنوعه؟
لماذا لا يقلد من منع مثلا ؟
نجاوب ونقول للاسباب التالية
اولا : استحباب الخروج من الخلاف درء للمفسدة وهى خشية وقوع الفتنة بين الناس وحمل الامر على المنع فيه اكراه لمن يرى الجوازعلى ان يترك امرا يراه جائزا
فالفتنة هنا اقرب واشد من الحالة الاخرى لان حمل الامر على الجواز ليس فيه اكراه لمن يرى المنع على ان يفعل فله ان يفعل او لا يفعل فالفتنة هنا اخف او منعدمة
...........
ثانيا: الامور المشتبهة هي التي لا يعلم فيها حكم يقطع بحرمتها لذلك حذرنا رسول الله منها ..وقلنا حكمها الكراهة وهى استحقاق الفاعل اللوم
فوجود من يقول بأن الامر هذا جائز فهو اولا ينفي قطعية الحرمة وثانيا يجعل الكراهة او اللوم ظني ..اي لا يعلم هل الشرع يلوم على فعله ام لا ؟
.............
ثالثا: القول ان الترك اولى فيه تفويت لمصلحة يقينية معلومة اقتضت الجواز في مقابل ضرر ظني ..واليقين اولى من الظن
.............
رابعا : مدار التحريم في الاسلام منوط بالضرر وقد استثنى الشرع من الحرام ما فيه مصلحة للناس فقد أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم بيع السلم من الاصل المحرم وهو النهي عن بيع المعدوم فدل على ان تغليب المصلحة المحققة اولى من الضرر الظني فعلة النهي عن بيع المعدوم هي عدم القدرة على تسليمه في الحال والظن هنا هو ان هذا الشئ قد لا يوجد اصلا فدل ذلك ان حاجة الناس إلى شئ او تعلق مصلحة لهم بهذا الشئ يجعله جائز استحسانا
والله أعلى وأعلم
نرجو أن نكون وفقنا في عرض الموضوع