مصر والعودة إلى الايمان

مصر والعودة الى الايمان

مقدمة

منذ زمن بعيد , قرأت كتابا بعنون: العودة الى الايمان , ولا اذكر اسم الكاتب , كل ما اذكره ان هذا الكتاب كان يتحدث عن ان الحل الامثل للمشكلة الاقتصادية الكبرى التى واجهت اميركا فى مطلع الثلاثينات هو العوده للايمان خاصة وان هذه الازمة الكبرى كان مرجعها الى عموم الاحتكار ..اى ازمة أخلاقيه .

الموضوع : مصر والعوده الى الايمان

1-مدخل فى بداية الازمة

كانت الفتره من اواخر الخمسينات حتى اواخر الستينات فترة ازدهار فكرى وادبى حيث لمع فيها المفكرون المعرفون مثل العقاد وطه حسين وبزغ الى جوارهم ادباء ومفكرين وروائيين امثال المازنى ونجيب محفوظ والسباعى ويوسف ادريس وغيرهم كما لمع اهل المسرح والسينما وظهر النجوم الجدد الذين غيروا شكل الفن عما كان عليه من قبل ولمع اهل الصحافه وغيرهم حتى الغناء ..إذ تعتبر هذه الفتره ازهى عصور الغناء فى مصر بكل اشكاله التى لازلنا نستمع إليها حتى الوطنى منها الذى ارتبط باحداث معينه وقتها , كما ازدهرت الاتجاهات السياسيه فعلى المستوى السياسى والجماهيرى كان الاتجاه القومى الوحدوى الاشتراكى هو الاغلب كما أحتلت افكار اخرى مكانة لدى الجماهير على اختلاف فى تأثيرها السياسى مثل الشيوعيون والاخوان المسلمين , هذا التنوع والازدهار بشكل عام دفع شكل الحياة الاجتماعيه فى مصر نحو التغريب وتقليد الدول الكبرى ولعل ذلك كان تماشيا مع التطلع السياسى والصناعى للساسه والشعب نحو تبؤ مكانة فى الصف الامامى للدول المؤثره سياسيا ذات الاقتصاد الذاتى

2- نكسة عامه

ان تاريخ 5 يونيه 1967 , ليس تاريخ نكسه سياسية او عسكرية فقط , إذ ترتب عليها ازمة ثقه سياسيه وازمة اقتصادية ترتب ايضا على ذلك أزمه نفسية واخلاقية (وربما كانت رواية ثرثره فوق النيل للروائى العالمى نجيب محفوظ خير معبر عنها واؤكد على الرواية لا الفيلم ..حيث يستمر اشخاصها فى عبثهم وغفلتهم الى مالا نهاية كما كان يتراءى للجميع آنذاك من مستقبل مظلم ) ., ورغم ان العسكريون استطاعوا استعادة كرامتهم فى 6 اكتوبر, إلا أن النكسة السياسية التى تلتها والازمة الاقتصادية التى دفعت نحو الانفتاح الاقتصادى زاد من معاناة الشعب الذى ظل يحلم بعودة الازدهار كما كان فى الستينات , وفى نهاية هذه الفتره وبعد سقوط الحلم القومى الوحدوى الاشتراكى علا على السطح التيار الشيوعى والاخوان المسلمون وظهرت جماعات اسلامية اخرى استغلت حالة البلبلة فى الوعى المصرى والشخصية المصريه فاخذت تتجاذبه نحو اليمين ونحو اليسار

3- لقمة العيش

استطاعت السلطة إحكام قبضتها على حالة البلبلة التى احدثتها الجماعات الاسلامية وغيرهم وذلك بعد مقتل السادات فى مطلع الثمانينيات , ورغم الافراج السياسى عن المعتقلين من اهل الفكر والادب إلا ان هذه الفتره والتى امتدت حتى حرب الخليج الاولى والغزو العراقى للكويت عرفت جمودا فى كل شئ لا اعرف اين كان المفكرون هل غادروا مصر ام ظلوا فيها ؟ ولكن اعتقد انها كانت بحق فترة سكون او راحه او نقاهه لهم بعد ما شهدوه خلال النكبات الماضيه
ونظرا للظروف الاقتصادية السيئة جدا فى مصر بدأت هجرة العماله الى دول الخليج تزداد شيئا فشيئا وخلت الساحة فكريا وابداعيا واصبح هناك خواء سياسى فى الوعى المصرى نتيجة الاستسلام العام للوضع الراهن بعد كامب ديفيد , كما خفت الظهور الاسلامى القوى والمعلن خوفا من بطش السلطه وخلت الساحه امام المستغلين من تجار الهوى والهواء , واذا كان الفن هو خير معبر عن الحقب التاريخية فقد كانت الثمانينيات حقبة افلام المقاولات واغانى السح الدح امبو وكراكشنجى دبح كبشه

4- العودة الى الايمان

التسعينات : علا صوت رجال الدين فى مصر اثر الغزو العراقى لدولة الكويت , حيث كانت تنظم الندوات الدينية فى الاندية الثقافيه والمدارس وغيرها بتوجيه من الحكومه للحديث عن الخطأ الشرعى الذى فعله الرئيس العراقى بغزوه للكويت , أعتقد ان ذلك اتاح الفرصه للجماعات الاسلامية للظهور من جديد بشكل معلن امام الجماهير التى راحت تنتهز الفرصة لبث دعوتها الى الناس خاصة وانها أتخذت مظهر أخلاقيا فى البداية فى مواجهة الانحلال الذى عم البلاد نتيجة انتشار الفساد الادارى والرشاوى وما واجهة ابناء الطبقات الكادحه من محسوبيات حالت بينهم وبين جنى ثمار سنوات تعليمهم فى المدارس والجامعات فى تبؤ الوظائف العامه ليواجهون مستقبلا كانت البطاله هى عنوانه الاساسى .
كما كان للكوارث الطبيعية التى واجهت مصر واهمها زلزال 1992 ثم تلاها السيول ,وتفسير رجال الدين الحكوميون بأن هذه الكوارث هى عقاب لبعدنا عن الدين , كل هذا جعل الشباب يرتمون فى احضان الجماعات الاسلامية بحثا عن ..النجاة من (الكوارث الطبيعية) عقاب الله
وأشتد بأس الجماعات الاسلامية وظهر التطرف والارهاب خاصة مع ضعف بطش السلطه فى مواجهتهم من جانب ومن جانب اخر كانت الاصابع الخفية المموله لهم تلعب دورا كبير ازداد بعد حرب الخليج الاولى والتدخل الامريكى العسكرى والسياسى المباشر فى المنطقه, ثم انتهت هذه الجماعات وخفت تماما قبل نهاية التسعينات وظهر الدعاة السلميون كأمثال محمد حسان وعمرو خالد وبدأ تربية وعى اسلامى هادئ وسلمى من جديد لدى فئات الشعب المختلفه

5- الغزو السلفى لمصر

كان الدعاة امثال الشيخ محمد حسان هم الاكثر انتشارا فى المساجد واشرطة الكاسيت , وقد حققوا نجاحا حتى انه قد ظهرت فئة المتاجرين بالدين من خلال اشرطة الكاسيت (ولعلى اذكر ذلك الشيخ الذى كان يقول نكت على الصعايده فى خطبته ) , كذلك تبؤ العديد من الاخوه مكانتهم فى صف الدعاه المعروفين مثل الشيخ وجدى غنيم وغيره ولعل السبب فى ذلك يرجع لوجود الفضائيات والانترنت , كما نجحت تجربة الاخ عمرو خالد نجاحا كبيرا وجذبت العديد من الشباب نحو العودة الى الايمان .
ثم.. ونتيجة تراجع دور الازهر فى مصر على المستوى الشعبى , استطاع التيار السلفى القادم بقوه من شبة الجزيرة العربية بما يملكه من مقومات الانتشار من اموال مكنته من السيطره على ادوات الاعلام المرئى والمسموع ومكنته من طبع مصنفاتهم وكتبهم وتوزيعها مجانا او بيعها بسعر رمزى فى مصر والعالم اجمع , حتى رأينا كتب العلماء المصريون تختفى من على ارصفة البائعين لتختفى فى ارفف المكتبات لمن يسأل عنها حتى اصبحت مجهوله لدى ابناء الشعب المصرى واستطاع السلفيون فى شبه الجزيرة استغلال الهوى والميل الى مذهبهم لدى بعض الدعاة المصريين خاصة وانم كانوا يفتحون معاهدهم وجامعاتهم لهم على عكس الازهر فأنجذبوا نحو فكرهم وتشبعوا به , وعادوا الى مصر يرتدون العباءات الخليجية ويضعون (الشال) الابيض فوق رؤوسهم متشبهون بعرب شبه الجزيره ثم مدعومين من اصحاب رؤس المال ورجال الاعمال السلفيون الذين يريدون التقرب الى الله بنشر الدعوة السلفية الى العالم واستغلالها ايضا تجاريا فى الدعاية لمنتجاتهم , وليس كل من يقف وراؤها هم تجار , بل دولة آل سعود نفسها وجدت فى استغلال الدعوة السلفية ونشرها فى العالم وسيلة لبسط نفوذها السياسى وتأثيرها على المجتمع الدولى من خلال اتباع السلفيه
ومع انتشار السلفيه فى مصر انتشرت اخلاقيات التشدد الفكرى وعاد التعصب المذهبى الى الظهور بعد ان كان قد اختفى من العالم الاسلامى كله (باستثناء شبه الجزيره العربيه لان مافيها احد غير سلفى يقدرينبت ببنت شفه ) , فلا يمكنك ان تجادل او تناقش احدهم حتى ينتهى النقاش بقوله لك : انت كافر , وان لم يكن متشددا قال لك : انت فاسق , كذلك وجدنا الجمود الفكرى ولعل ذلك يرجع الى إلتزامهم بقول وعمل اهل السلف كما يقولون ,غافلين ان عمل اهل السلف وقولهم كان نتيجة اعمالهم فكرهم فيما بين ايديهم من نصوص وفهمها فى اطار الموائمة بينها وبين واقعهم , ان منهج اهل السلف هو الاجتهاد لا التقليد والجمود

6- مستقبل ايمانى مشرق

ان الدعوة السلفية المتشدده التى سادت فى مصر الان وعلا صوتها , شيئا فشيئا ستلين , وعجلة الاجتهاد المتوقفه ستعرف الدوران , وذلك لان البيئة الدينية فى مصر غير تلك التى كانت فى شبة الجزيرة والتى جعلتنا نرى فتاوى غريبه مثل حرمة الجلوس على الكراسى , والسبب فى ذلك هو ان البيئة الدينية فى مصر غنية بعلومها وثقافتها ومذاهبها وفكرها الناضج مما يعنى ان الدعوه السلفية فى مصر ستدخل معتركا فكريا وفقهيا وعلميا مع رجال العلم والدين فى مصر , فمهما كان من علو صوت السلفيين إلا انهم فى الواقع ليسوا سوى تلامذة امام علماء الدين فى مصر الذين علموا ابناء شبة الجزيرة العربية علوم دينهم الذى نزل بأرضهم
كل هذا سوف يخفف من الشدة التى بدعوتهم وسيفيدها بأن يجعلها قابله للتطور مع متغيرات الواقع ويدير فيها عجلة الفكر والاجتهاد لمواجهة مناظريهم وحتى يكتب لهم الاستمرار , وهذا ما بدأنا نشاهده فى فكر الاخوه شيوخ الدعوه السلفية فى مصر
كما ان شباب الدعوة السلفية فى مصر اتجه نحو طلب العلم الشرعى واخذ يجادل ويناظر ويقرأ هنا وهناك ويتعلم ,هذا الجيل الجديد هو امل الفكر السلفى فى تحقيق الموائمة بين فكرهم المذهبى وبين الواقع , جيل تربى على الاستماع للطرف الاخر وتقبل الاختلاف معه دون ان ينتهى النقاش بالتكفير او التبديع والتفسيق , مما يبشر بعودة السيادة الى وسطية الاسلام , ويعود الايمان فى مصر ايمانا مبنيا على السعة والفهم وتحقيق السعادة من خلال ايجاد التوازن والربط بين المجتمع وحياته وعاداته وبين النص الشرعى اصلا ومقصدا ومبادئا