وجدت وأنا اقرأ فى ادب الفتوى لابن الصلاح الشهرزورى – تحقيق د. رفعت فوزى عبد المطلب انه قد ذكر فى الهامش عند التعليق على هل يجوز الفتيا من كتاب موثوق انه توجد مسأله شبيهه عند ابن القيم وهى (الافتاء من كتب الحديث) ( اعلام الموقعين : 4/234-236) وملخصها التالى
اذا كان عند الرجل الصحيحان أو احدهما أو كتاب من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم موثوق بما فيه فهل له أن يفتى بما يجده فيه؟
رأى المانعين
ليس له ذلك لأنه قد يكون منسوخا أو له معارض أو يفهم من دلالته خلاف ما يدل عليه أو يكون أمر ندب فيفهم منه الايجاب أو يكون عاما له مخصص أو مطلقا له مقيد , فلا يجوز له العمل ولا الفتيا به حتى يسأل اهل الفقه والفتيا
رأى المجوّزين
بل له أن يعمل به , ويفتى به , بل يتعين عليه كما كان الصحابة يفعلون اذا بلغهم الحديث بادروا الى العمل به من غير توقف ولا بحث عن معارض ولا يقول احد منهم : هل عمل بهذا فلان أو فلان ؟ وإلا كان عمل فلان بها او قول فلان معيارا على السنن وشرطا فى العمل بها
وقالوا : والنسخ الواقع فى الاحاديث الذى اجمعت عليه الامه لا يبلغ عشرة احاديث ألبته ولا شطرها , فتقدير وقوع الخطأ فى فهم كلام المعصوم (النبى صلى الله عليه وسلم) أقل بكثير من وقوع الخطأ فى فهم كلام الفقيه المعين ( الذى يقول القول ويرجع عنه ويحكى عنه فى المسألة الواحده عدة اقوال) ويجوز عليه التناقض والاختلاف
القول الفصل
فأن كانت دلالة الحديث ظاهرة بينة لا يحتمل غير المراد فله ان يعمل به وان كانت دلالته خفيه لا يتبين المراد منها لم يجز له ان يعمل ولا يفتى بما يتوهمه حتى يسأل ويطلب بيان الحديث ووجهه .
انتهى
وعندى فى هذه المسألة رأى ووجهة نظر كالتالى
اولا يجب التفرقه بين الاحاديث الواردة فى العبادات وبين الاحاديث الورادة فى المعاملات فالاولى يجوز الافتاء بظاهرها اذا كانت ظاهرة الدلاله ولا تحتمل غير المراد منها , اما الثانية وهى الواردة فى معاملات الناس واحوالهم فهذه وان كانت ظاهره فإنها تحتاج دائما الى سؤال فقيه أو مفتى عالم وذلك لان هذا النوع يكون دائما معلول بعلة معلومه وظاهره مدارها هو تحقيق مصالح الناس وفى ذلك يتم مراعاة احوالهم واعرافهم وما جرت عليه العادة , بخلاف احاديث العبادات التى لا تكون معلولة بعلة او لا تحتاج الى البحث فى علتها وكذلك احاديث مكارم الاخلاق
والدليل على ما ذهبنا إليه , هو ان الفقهاء ينظرون الى احاديث الكتب الصحيحة والسنن انها احاديث فى مجملها اخبار آحاد وبالتالى فالعمل بما جاء فيها من احكام له شروط
فعند ابى حنيفة من بين ما يشترط ألا تخالف القياس فرفض حديث المصراه وقاس حرية المرأة فى تزويج نفسها على حريتها بالتصرف فى اموالها وعند مالك يشترط ان توافق عمل اهل المدينة فليس من مذهبه ركعتين قبل المغرب كما جاء بالصحيح ولا رفع اليدين عند الركوع او الرفع منه لان ذلك يخالف عمل اهل المدينة والشافعى اشترط صحة السند واتصاله اما احمد فيقدم العمل بالحديث مطلقا متى صح سنده وان لم يتصل كما فى الحديث المرسل
لذلك رأينا فى الفقه مسائل على غير ما جاء فى كتب الصحيح مثل اجازة ان تخرج المرأة من بيتها بغير محرم اذا أمنت الطريق واجازه خروج المرأة للحج دون محرم اذا كانت بصحبة آمنه
ثانيا : هناك محاذير فى ان يفتى من كتب الحديث وذلك بشروط يجب توافرها , منها على سبيل المثال
العلم باللغة والنحو والبلاغة
العلم بالعرف إذ يشترط فى المفتى العلم باعراف البلد الذى منه السائل فالعرف ناسخ للنص ومخصص لعامه وفى هذا يقول الامام القرافى فى كتاب الاحكام ( ينبغى للمفتى اذا ورد عليه مستفتى لا يعلم انه من اهل المذهب الذى منه المفتى وموضع الفتيا ( موطن المستفتى ) فلا يفتيه بما عادته يفتى به حتى يسأله عن بلده وهل حدث لهم عرف فى ذلك البلد فى هذا اللفظ اللغوى أم لا؟ وهذا امر متعين واجب لا يختلف فيه العلماء وأن العادتين متى كانا فى بلدين ليستا سواء أن حكمهما ليس سواء, إنما اختلف العلماء فى العرف واللغة , هل يقدم العرف على اللغة أم لا ؟ والصحيح تقديمه لانه ناسخ مقدم على المنسوخ ) الاحكام ص 117-118
ان يكون من يفتى من كتب الحديث عالم بالفرق بين العام والخاص ومتى يكون الامر للوجوب ومتى يفيد الندب , فالحديث قد تكون دلالته ظاهره ولكنه بلفظ عام له مخصص او امر يعنى الوجوب بينما هو يفيد الندب وبالتالى لا يأثم هنا تاركه
ان يجيد القياس وان تكون له معرفة باحوال الناس حتى يمكنه استنباط العلل وتنقيحها وذلك لاننا فى عصر تشابكت فيه المسائل واختلطت واصبحت اكثر تعقيدا مما كانت تبدو عليه
واعتقد مع كل هذا فالافضل -ان نعطى العيش الى خبازه- فكما يقول تعالى : فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون
وما ذلك إلا لانه الاولى ان نحتاط لديننا ولانفسنا من الفتوى واطلاق الاحكام وانزالها على المسائل بغير علم يؤهل من يفعل ذلك الى الفتوى من كتب الحديث مباشرة فاذا سئل سائل واذا وجدت حديثا ظاهر الدلالة فى فعل كذا نقول له افعل اذا كانت المسألة فى سنن العبادات او السنن المشهوره مثل السواك وغيرها اما اذا كان فى مسألة تحتاج الى حكم شرعى و ملحه وعاجله فلك ذلك بشرط ان تعود للسؤال للتأكد لقوله صلى الله عليه وسلم : إنما شفاء العى السؤال